فكرية

دار الإسلام ودار الكفر

 

ونحن نسعى لتغيير حياة المسلمين لا بد من معرفة واقع دار المسلمين اليوم، هل هي دار إسلام أم دار كفر؟ ونحن هنا لا نتحدث عن سكانها وإنما عن الدار أو البلد أو الوطن الذي يسكنه مجموعةٌ مِن النّاس، وهذا يستدعي فهم النصوص والأدلة بصورة دقيقة ثم ربطها مع الواقع الذي نعيشه وإنزالها عليه حتى نستطيع أن نصدر الحكم بشكل لا لبس فيه.

 

بداية نقول إنّ الدّيارَ تنقسم إلى دارين؛ دار إسلام، ودار كفر، حيث ورد ما يؤيد هذا المعنى ما جاء في حديث بُرَيْدة رضي الله عنه أنّ النّبي ﷺ كان إذا أرسل سريّةً أو جيشاً أوصى قائدَها قائلاً: «...ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ...» رواه مسلم، وأيضا قال ﷺ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ مُشْرِكٍ بَعْدَمَا أَسْلَمَ عَمَلاً، أَوْ يُفَارِقَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ». رواه النّسائي وابنُ ماجه بإسنادٍ حسن. فدلّت هذه النّصوصُ على وجود دارَين؛ دار إسلام ودار كفر.

 

ودار الإسلام هي الدار التي يعيش أهلها تحت ظل الإسلام سواء أكانت هذه الدار صغيرة أم مترامية الأطراف. وهذا يتحقق بأمرين:

 

  1. أن تكون أحكام الإسلام مطبقة على الرعيّة في جميع شؤون الحياة، داخليا وخارجيا.

  2. أن يكون أمان هذه الدار بأمان المسلمين متمثلا بأجهزة الدولة وعلى رأسها الخليفة.

قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾، فمن مستلزمات تمكين الدين تطبيقه ووجود الأمان للحفاظ عليه، وهما الأمران اللازمان للدار لتكون دار إسلام. هذا بالإضافة إلى الآيات الأخرى التي جاء فيها وجوب الحكم بما أنزل الله، قال تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ﴾، وقال تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾. ومن أدلة ذلك أيضاً ما جاء في وثيقة المدينة، فقد ورد في هذه الوثيقة: «...وَإِنَّهُ مَا كَانَ بَيْنَ أَهْلِ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ مِنْ حَدَثٍ أَوْ اشْتِجَارٍ يُخَافُ فَسَادُهُ، فَإِنَّ مَرَدَّهُ إلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ...»، وهذا لا يدع مجالا للشك في أن الحكم في هذه الدار هو للإسلام فقط. وهذا ما فهمه الصحابة الكرام وطبقوه عمليا في الفتوحات الإسلامية، إذ كان بمجرد خضوع البلد وسكانها لحكم الإسلام تصبح جزءاً من دار الإسلام وإن بقي أهلها على دينهم. وفي المقابل إذا احتل الكفار بلداً من دار الإسلام، أصبحت دار كفر، وإن كان أهلها مسلمين.

 

وبناءً على هذا الوصف الذي قدمناه للدار، فإن واقع بلاد المسلمين اليوم يقول إنها دار كفر لأنها لا تحكم بالإسلام ولأن أمانها ليس بيد المسلمين. وهنا قد يقول قائل لماذا لا تكون دار إسلام؟ بناء على أنّها تطبق بعض أحكام الإسلام، أو أنها تنص في دستورها على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام أو أن الإسلام هو المصدر الرئيس للأحكام، فنقول إن كل ما سبق لا قيمة له لأن الأصل هو تحكيم الإسلام في جميع شؤون الحياة، بحيث تكون العقيدة الإسلامية هي الأساس الوحيد لكلّ ما في الدولة من أفكار ومفاهيم وأنظمة. وبنظرة سريعة على واقع هذه الدول نجد أنها تدعو إلى تطبيق الديمقراطية المبنية على عقيدة فصل الدين عن الحياة.كما أنها تلتزم بقوانين وأنظمة وضعية في سياستها الداخلية والخارجية.

 

وزيادة في إيضاح واقع دار الإسلام المتمثل بالخلافة واختلافها عما هو موجود الآن من أنظمة، لا بد من بيان أوصاف وأسس هذه الدولة والتي منها:

 

أولاً: السيادة للشرع فقط في كل نواحي الحياة فلا سيادة للعقل ولا للأكثرية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾. فالحاكم يبايعه الناس ليُنفذ الشرع، فإنْ هو خرج عن الشرع حاسبوه حتى يرجع إليه، وإن خرج الناس الذين بايعوه عن الشرع حاسبهم حتى يرجعوا إليه.

ثانياً: السلطان للأمة، حيث تبايع الأمة الخليفة لينوب عنها في تطبيق الشرع، قال ﷺ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ». قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ» وهذا السلطان يظل بيد الخليفة ما دام ملتزما بالشرع.

 

ثالثاً: وجود خليفة واحد للمسلمين إذ يحرم على المسلمين أن يكون لهم أكثر من خليفة واحد، قال ﷺ: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا» رواه مسلم، وقد أجمع الصحابة بعد وفاة رسول الله ﷺ على هذا الحكم.

 

رابعاً: للخليفة وحده حق تبني الأحكام الشرعية فيما له علاقة برعاية شؤون الرعية. فإذا تعددت الاجتهادات فهو المسؤول أمام الله، وتجاه المسلمين عن تبنِّي حكم شرعي من هذه الاجتهادات، الذي يغلب على ظنّه أنه الصواب لتطبيقه.

 

خامسا: ما يميّز دولةَ الخلافة أن لها جهازاً تنفيذياً خاصاً بها، ويتكون هذا الجهاز من: الخليفة، والمعاونون، ووزراء التنفيذ، والولاة، وأمير الجهاد، والقضاء، والجهاز الإداري، ومجلس الأمة، والأمن الداخلي، والخارجية، والصناعة، وبيت المال، والإعلام.

 

سادسا: ليس لدولة الخلافة حدود ثابتة تقف عندها لأنّها مكلّفة شرعاً بوجوب حمل الإسلام إلى الناس كافّة، وتطبيقه عليهم، سواء أسلموا أم لم يسلموا، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً﴾، وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾.

 

سابعا: الدولة الإسلامية تلتزم بأحكام الإسلام في سياستها الداخلية والخارجية، فيحرم عليها التحاكم إلى قوانين الأمم المتحدة ومجلس الأمن، أو انضمامها إلى أحلاف أو معاهدات يكون السلطان فيها للكفار على المسلمين، لقوله تعالى: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾.

 

ثامنا: اللغة العربية هي اللغة الرسمية للتخاطب محلياً ودولياً، وهي لغة التثقيف والتعليم والإعلام، لأنها لغة القرآن والسنة، وأما تعلّم لغات أخرى غير العربية فهو فرض على الكفاية، تقوم به الدولة قدر ما يسدّ حاجتها.

 

هذه الأسس والمميزات لدولة الخلافة المستنبطة من الأدلة الشرعية، يجب أن تكون واضحة لدى المسلمين بشكل عام ولحملة الدعوة بشكل خاص وهم يعملون لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة ﴿وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

فارس منصور

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية العراق

آخر الإضافات