سياسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

المرأة بين مطرقة العمل السياسي وسندان مشاريع الغرب المستعمر

 

 

في ورشة برعاية مجلس شؤون الأحزاب السياسية تحت عنوان "تحديات مشاركة المرأة في الأحزاب السياسية"، ناقشت الورشة التحديات التي تواجه المرأة في المشاركة السياسية وتطرقت إلى العنف السياسي الممنهج، كما وعدت الورشة بتدريب النساء في جميع المجالات. وفي إفادة لميادة سوار الدهب رئيس الحزب الديمقراطي الليبرالي لتلفزيون السودان، قالت: "نطمح في بناء قيادات سياسية نسوية تؤدي أدواراً محورية في المشهد السياسي وتكون جزءا من صنع القرار، وأن التحدي هو التمثيل المؤثر والفعال الذي يسهم في تطوير العملية السياسية ولا يقتصر على التمثيل النوعي فقط".

 

خرجت الورشة بتوصيات منها تكوين مفوضية نسوية لحل المشاكل السياسية والاجتماعية، والاهتمام بالجانب الثقافي، وعمل مبادرة نسوية لحل الأزمات السياسية بالبلد، وتفعيل منبر نساء الأحزاب، وتسليط الضوء على اتفاقية سيداو. (عزة برس، 19 آب/أغسطس 2022م).

 

في أواخر القرن الماضي وبعد أن تمكن الغرب الكافر من هدم دولة الإسلام؛ الخلافة، وإبعاد تشريعات الإسلام، تنامت في بلاد المسلمين طبقا لنظرية تقليد المغلوب للغالب مفاهيم الديمقراطية الغربية وما انبثق عنها من أفكار المساواة والتمكين، وتحت ضغط الدول الغربية، صادقت معظم البلدان في العالم الإسلامي على صكوك دولية تُعنى بضمان حقوق الإنسان، لا سيما حقوق المرأة، وأدرجتها في دساتيرها، وأنشأت آليات وطنية لدعم مشاركة المرأة في شتّى المجالات، وها هي المرأة تنشئ أحزابا باسم الديمقراطية الليبرالية حتى دون مواربة، تدعو فيها لوجهة النظر الغربية. ولكن هل نهضت المرأة وهل نالت حقوقها؟

 

لقد أدرك الغرب أهمية دور المرأة المسلمة في المجتمع على بقاء ونقاء الحضارة الإسلامية، فاستخدمها سلاحاً لهدم حصون الأمّة من الدّاخل، فسنّ القوانين الوضعية بحجة حماية وحرية المرأة، وعقد المؤتمرات للدفاع عن حقوقها، بالإضافة إلى تمويله للأحزاب والجمعيات والمنظمات النسوية المشبوهة، التي أخذت على عاتقها تغريب المرأة المسلمة، فعززت فكرة أن مكانة المرأة تعلو من خلال العمل وكسبها للمال، أو الحصول على مقاعد إضافية في البرلمانات والمجالس النيابية، وأن تكون في مراكز صنع القرار وأنها لن تكسب احترامها في المجتمع إلا من خلال استقلالها عن الرجل، بدعوى أن هذا هو المسار الأوحد لتحسين حقوق المرأة وجعلها تعيش حياة سعيدة مليئة بالطموح والإنتاج والسعادة!

 

ولتحقيق ذلك عملوا على سلخ المرأة المسلمة عن ماضيها ومعتقداتها وقناعاتها، واعتبار مشاركة المرأة سياسياً أبرز مظاهر الديمقراطية وتحقيق العدالة والتي سبق أن وافقت عليها الكثير من الاتفاقيات والمعاهدات التي تلت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مثل اتفاقية سيداو هذه. المعاهدات صادقت عليها الدويلات في بلاد المسلمين، ودخلت حيز التنفيد بشعارات براقة مثل تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص والعدالة، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً. ومع كل هذا القدر من التفخيخ المفاهيمي انكشفت الخدعة والخطيئة التي جر الغرب المرأة المسلمة جرا إلى واقع لا ينظر للمرأة نظرة مبدئية على أساس دينها الحنيف الذي أحاطها بالعناية والرعاية الإلهية متمثلة في شرع الله الذي أعطى المرأة حقوقها كافة من خلال مفهوم الولاية والقوامة؛ أب، وأخ، وزوج، وحتى الدولة توفر لها ما يحقق مفاهيم الإسلام باعتبارها أماً وربة بيت وعرضاً يجب أن يصان، ومع ذلك فهي شريكة الرجل في الحياة العامة لها ما له وعليها ما عليه.

 

ولتجذر هذه المفاهيم رفضت المرأة بشكل عام الدخول في السياسة باعتبارها لعبة قذرة، لكن الحكومات ومن ورائها الغرب، دفعت بالمرأة دفعا إلى السياسة وفعلت مشاركة المرأة سياسياً بتشجيع مسألة تمكينها في المجال السياسي، ودعم مشاركتها الجادة في اللعبة الديمقراطية، وتم تعديل القانون الذي يضمن المشاركة السياسية بشكل عام ومشاركة المرأة بشكل خاص، وإقامة الدورات التدريبية التي ترسخ مفهوم النوع الجنسي، وأهمية المرأة في تولي مناصب قيادية، ومساندة التحول الديمقراطي وإرساء مفاهيم حقوق الإنسان والمواطنة وقبول الآخر، والتركيز على دور المرأة في عملية صنع السلام وحل الصراعات، كما هو الحال في اتفاقية جوبا للسلام المزعوم، وكل الدساتير السابقة.

 

وللتضليل، يتم التعريف بالاتفاقيات والمعاهدات الخاصة بحقوق المرأة في مثل هذه الورش التي تدعي حرصها على حقوق المرأة ومشاركتها في صنع القرار، بل تخطى الأمر مجرد التبشير بحقوق المرأة إلى تحديث المناهج التعليمية بتغيير الصورة النمطية للمرأة، فأدخلت مفاهيم المساواة في كتاب اللغة الإنجليزية للصف الثالث ثانوي، وحتى في كتاب الدراسات الإسلامية للصف الأول تطرح الحريات العامة باعتبارها من الإسلام. وعلى الرغم من الجهود الضخمة لم تتحقق أهداف مشاركة المرأة الفعالة في العمل السياسي، بل إن معظم النساء هجرن العمل السياسي وزهدن فيه لأن الواقع أزكمت رائحته الأنوف.

 

إن إسلامنا أناط بالمرأة دورا فعالا وفاعلا في كل مجالات الحياة وفي التغيير وحمل الدعوة الإسلامية، ولا يقل دور المرأة أهمية عن دور الرجل بل هما سواء بسواء أمام هذا التكليف الشرعي، قال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [سورة التوبة: 71]، فيقمن بالواجبات ويؤدين الحقوق لإرضاء الله جلَّ وعلا وحده وليس لإرضاء صنم الديمقراطية، وذلك ضمن دستور وقوانين إسلامية مصدرها الشريعة الإسلامية، فنستعيد دورنا السياسي الحقيقي وليس الشكلي الصوري كما أرادته لنا هذه الأحزاب السياسية العميلة للغرب التي تدّعي الحفاظ على مكتسبات المرأة في حين إنها هي من تقمع المرأة وهي المصدر الأساسي لبؤسها وشقائها وفقدانها مكانتها ومهمتها التي كلفها الله سبحانه وتعالى بها.

 

إنّ الدور السياسي للنساء المسلمات، ليس مجرد التمكين وصنع القرار، بل هو لبناء الأمة، وهو دور عظيم، ولا نقصد هنا السياسة بمفهومها اليوم؛ استحواذاً على السلطة والمناصب ونهب الثروات الطائلة وعقد الاجتماعات في أفخم الفنادق لمناقشة تأنيث الفقر والجوع والمساواة والأمية!! فالسياسة في الإسلام عمل راقٍ وينهض بالناس، فالسياسة في الشرع هي رعاية شؤون الناس بأحكام الله تعالى في جميع نواحي الحياة، والتمكين الحقيقي للمرأة لا يمكن أن يكون إلا بتنفيذ هذه السياسة عن طريق نظام الخلافة الذي يحمي المرأة ويمكنها سياسياً واقتصادياً ويمكنها من عبادة الله وحده لا شريك له.

 

إن حكم الشرع في العمل السياسي بالنسبة للمرأة يختلف حسب شكله ومجاله؛ ففيما يتعلق بمباشرة رعاية الشؤون عمليا أو ما يسمى بالحكم، فإن الإسلام لا يجيزه للمرأة على الإطلاق، لما روى البخاري عن النبي ﷺ لَما بلغه أَن فارِسا ملَّكوا ابنة كِسْرَى قال: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امرأة». أما باقي مجالات العمل السياسي مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فجاءت أدلتها عامة لا تختص بالرجل دون المرأة لقوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: 110] وكذلك الأمر بالنسبة للعمل ضمن كتلة تسعى لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة وتحكيم الشَّرع لقوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104]. كما يمكن للمرأة أن تكون عضواً في مجلس الأمّة "الشورى والمحاسبة" تُشير على الحاكم وتُحاسبه، وحتى إن أرادت مقاضاته تستطيع ذلك ضمن الضّوابط والأحكام الشرعية.

 

هذه بعض الأحكام المتعلقة بالمرأة ودورها السياسي في ظل حكم الإسلام، والتي تخوّلها التصدي لقضايا جوهرية تمس ديننا وثقافة أمتنا وقيمنا وأخلاقنا، هو دور أعظم وأنبل من أن نكرس جهدنا ووقتنا لنظام علماني أشقى العالم بأكمله وليس المرأة فقط، لنستخلص بأن الأزمة هي أزمة نظام، ولا يصلح حال البشرية جمعاء إلا بالنظام الذي ارتضاه لها الله رب العالمين، أما تحرير المرأة وتمكينها الحقيقي فلن يكون بالشعارات أو بالتمثل بالغرب وحضارته الزائفة الزائلة، بل هو بعودة نظام الخلافة الذي يحفظ مكانة المرأة وكرامتها وعزتها، فإنها المخرج والعلاج ﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ﴾.

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

غادة عبد الجبار (أم أواب) – ولاية السودان

آخر الإضافات