الأجوبة الفقهية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير

على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي"

جواب سؤال

ضوابط جمع الصلاة في الشتاء

إلى يحيى وليد جنينة

 

السؤال:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

شيخنا الحبيب، أود من فضيلتكم بيان أحكام الجمع في الشتاء وما هو الضابط للجمع؟ وهل البرد دون الرياح الشديدة عذر يبيح الجمع؟ وهل إذا انقطع المطر قبل استراحة الرخصة يبيح الجمع؟

 

أفيدونا بالتفصيل بارك الله فيكم

 

الجواب:

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

كما تعلم فنحن لا نتبنى في العبادات إلا فيما له علاقة بوحدة الأمة ونحوه، وكل ذلك بأسباب شرعية مثل العيد والزكاة... ولكن سأنقل لك عن أحكام الصلاة المتعلقة بسؤالك وذلك من كتاب (أحكام الصلاة) الذي سبق أن أصدره الحزب باسم (علي راغب) وهو غير متبنى لكن ما فيه له أدلة معتبرة:

[الجمع بين صلاتين...

 

1- يجوز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في السفر الذي تقصر فيه الصلاة. ولا يجوز الجمع بين العصر والمغرب ولا بين العشاء والصبح، ولا بين الصبح والظهر. لما روى ابن عمر قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» وروى أنس رضي الله أن النبي ﷺ: «كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ». ولم يرو عنه ﷺ أنه جمع في غير هاتين الحالتين من الصلوات وهما الظهر مع العصر أو المغرب والعشاء. والعبادات توقيفية يقتصر فيه على ما ورد به النص ويوقف عند حده. فلا يجوز أن يجمع في غير الصلوات التي ورد بها النص، ويجوز الجمع بينهما أي الظهر والعصر والمغرب والعشاء تقديماً وتأخيراً، فيجوز الجمع بينهما في وقت الأولى فيهما، وفي وقت الثانية. غير أنه إن كان نازلاً في وقت الأولى فالأفضل أن يقدم الثانية إلى وقت الأولى، وإن كان سائراً فالأفضل أن يؤخر الأولى إلى وقت الثانية، لما روي عن ابن عباس: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنْ صَلاَةِ رَسُول اللَّهِ ﷺ؟ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ وَهُوَ فِي الْمَنْزِل قَدَّمَ الْعَصْرَ إِلَى وَقْتِ الظُّهْرِ وَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي الزَّوَال، وَإِذَا سَافَرَ قَبْل الزَّوَال أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ». ولا بد أن ينوي الجمع عند ابتداء الأولى وأن يتابع بينهما في جمع التقديم. وإذا جمع جمع تقديم ووصل محل إقامته وأقام قبل حلول وقت الثانية فإن كان قد أتم الصلاتين صح الجمع وإلا فقد صحت الصلاة التي أتمها فقط.

 

2- والجمع في الصلاة ثابت بصحيح السنة. فعن أنس قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ» وعن أنس عن النبي ﷺ: «أَنَّهُ إِذَا عَجِلَ عَلَيْهِ السَّفَرُ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إِلَى أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ». وعن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ: «كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَإِنِ ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعَصْرِ، وَفِي الْمَغْرِبِ مِثْلُ ذَلِكَ؛ إِنْ غَابَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَإِنِ ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعِشَاءِ ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا». فهذه الأحاديث كلها صحيحة. وهي تدل بشكل لا لبس فيه على جواز الجمع بين الظهر والعصر تقديماً وتأخيراً وبين المغرب والعشاء تقديماً وتأخيراً كذلك.

 

3- إلا أن هذا الجمع لا يجوز إلا في يوم عرفة بعرفة، وليلة مزدلفة بها، وفي السفر الذي تقصر فيه الصلاة، وفي المطر. أما عرفة ومزدلفة فلأن النبي ﷺ جمع في عرفة ومزدلفة. وأما السفر فلأن الأحاديث التي دلت على حصول الجمع في غير المطر إنما دلت على حصوله في السفر فقط. ويتبين ذلك من ألفاظ الأحاديث على تعددها، فتجد الحديث ينص على: «إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ»، «إِذَا ارْتَحَلَ»، «إِذَا عَجِلَ عَلَيْهِ السَّفَرُ» وغير ذلك من الأحاديث التي تدل على السفر. وبعض الروايات صريحة في السفر، ففي حديث ابن عباس: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَجْمَعُ في السَّفَرِ بَيْنَ صَلَاةِ الظُّهْرِ والعَصْرِ إِذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ، ويَجْمَعُ بَيْنَ المَغْرِبِ والعِشَاءَ». وعن ابن عباس عن النبي ﷺ: «كَانَ إِذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ فِي مَنْزِلِهِ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ، وَإِذَا لَمْ تَزِغْ لَهُ فِي مَنْزِلِهِ سَارَ حَتَّى إِذَا حَانَتْ الْعَصْرُ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَإِذَا حَانَتْ الْمَغْرِبُ فِي مَنْزِلِهِ جَمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ، وَإِذَا لَمْ تَحِنْ فِي مَنْزِلِهِ رَكِبَ حَتَّى إِذَا حَانَتْ الْعِشَاءُ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا». فهذه كلها قد اقترن فيها الجمع بقيد السفر. والمراد هنا السفر الذي تقصر فيه الصلاة لأن (أل) في السفر للعهد أي السفر المعهود وهو السفر الشرعي الذي اعتبر سفراً في قصر الصلاة.

 

4- وأما الجمع في المطر فلما روي أن أبا سلمة بن عبد الرحمن قال: «إِنَّ مِنَ السُّنَّةِ إِذَا كَانَ يَوْمٌ مَطِيرٌ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ». رواه الأثرم. وقوله: "من السنة" ينصرف إلى سنة رسول الله ﷺ فيكون حديثاً. وقال هشام بن عروة: "رأيت أبان بن عثمان يجمع بين الصلاتين في الليلة المطيرة المغرب والعشاء، فيصليهما معه عروة بن الزبير وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو بكر بن عبد الرحمن لا ينكرونه ولا يعرف لهم في عصرهم مخالف فكان إجماعاً" رواه الأثرم. ولما روي عن ابن عمر: «أنَّ النبىَّ ﷺ جَمَع في المَدِينَةِ بينَ الظُّهْرِ والعَصْرِ فِي المَطرَ»، ولما روي عن جابر بن زيد عن ابن عباس: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى بِالْمَدِينَةِ سَبْعاً وَثَمَانِياً الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ فَقَالَ أَيُّوبُ لَعَلَّهُ فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ قَالَ عَسَى» رواه البخاري. أي قال أبو أيوب السختياني لجابر بن زيد وهو أبو الشعثاء لعل هذا الجمع في الليلة المطيرة فقال له: عسى أن يكون كما قلت. واحتمال المطر قال به مالك أيضاً عقب إخراجه لهذا الحديث. فهذه الأدلة كلها تدل في مجموعها على جواز الجمع في المطر تقديماً وتأخيراً، والمراد بالمطر ما يطلق عليه اسم مطر، وهو ما يبل الثياب بغض النظر عما إذا كانت فيه مشقة أو لا، لما روي أن النبي ﷺ جمع في المطر وليس بين حجرته والمسجد شيء. وبغض النظر عما إذا كان في المسجد أو في البيت، وبغض النظر عما إذا كان المطر نازلاً عند الإحرام بالصلاة أم غير نازل، لأن الحديث لم يعلل بالمشقة فيؤخذ توقيفاً. ولأن كونه في المسجد أو غيره لم يرد به نص فيبقى على إطلاقه، علاوة على أنه ثبت أن الرسول ﷺ: «كَانَ يَجْمَعُ فِي بُيُوتِ أَزْوَاجِهِ إلَى الْمَسْجِدِ» ولأن الحديث يقول: «يَوْمٌ مَطِيرٌ»، «فِي المَطرَ» واحتمال أيوب السختياني قال فيه: «لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ». فالمراد من هذا أن يكون الوقت وقت مطر لا أن يكون المطر نازلاً عند الإحرام بالصلاة. ولأن سبب الجمع وهو العذر المبيح لجمع الصلاة إذا وجد جاز الجمع مطلقاً كالسفر، فكذلك المطر إذا وجد جاز الجمع مطلقاً سواء أكانت فيه مشقة أم لا وسواء أكان في المسجد أو في غيره...

 

5- أما ما عدا عرفة ومزدلفة والسفر والمطر فلا يجوز الجمع مطلقاً ولا يقاس عليها غيرها بحجة المشقة لعدم وجود علة للجمع، ولأن المشقة لم ترد علة شرعية في النصوص. ولا يجري القياس دون علة، فضلاً عن أن العبادات لا تعلل ولا يقاس عليها...) انتهى المنقول من الكتاب.

 

آمل أن يكون في هذا الكفاية والله أعلم وأحكم.

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

23 ربيع الآخر 1444هـ

الموافق 2022/11/17م

آخر الإضافات