بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير

على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي"

 

جواب سؤال

حديث «إِنَّ الإِسْلامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَـبْلَهُ»

 

إلى Salah Fawzi

 

السؤال:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الأخ الكريم تحية طيبة وبعد،

ورد في كتاب مقدمة الدستور ج 1 / المادة 95 ما يلي:

 

(أما تحريك القضايا المتعلقة بمن آذوا الإسلام والمسلمين، فلأن الرسول ﷺ عندما فتح مكة أهدر دم بضعة نفر كانوا يؤذون الإسلام والمسلمين في الجاهلية، فأهدر دمهم حتى وإن تعلقوا بأستار الكعبة، علما أن رسول الله قال: "إن الإسلام يجب ما قبله" رواه أحمد والطبراني عن عمرو بن العاص، أي أن من آذى الإسلام والمسلمين مستثنى من هذا الحديث).

 

بحثت عن واقع هؤلاء النفر ووجدت أن بعضهم كان مسلما وارتد عن إسلامه، والبعض لم يُسلم وتم قتله، فمن كان مسلما وارتد فالأصل أن يُعاقب على ردّته، ومن بقي على شركه وكان ممن آذى الإسلام والمسلمين عوقب بالقتل أو الإعفاء حسب ما يراه إمام المسلمين كما جاء في المادة، لكن في الحالتين لا ينطبق عليهم الإسلام يجب ما قبله، لأن ما نعلمه أن "الإٍسلام يجب ما قبله" تنطبق على من أسلم حديثا، فلماذا استُشهد بهذا الحديث في هذه المادة علما أن بعضا من الصحابة أعملوا السيف والقتل في المسلمين كخالد بن الوليد ووحشي بن حرب رضي الله عنهما ولم يفعل لهم الرسول عليه الصلاة والسلام شيئا بعد إسلامهم؟

 

بارك الله فيكم وسدد خطاكم وأجرى النصر على أيديكم

 

صلاح فوزي - القدس الشريف

 

الجواب:

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

يبدو أن هناك التباساً في فهم المسألة، فحديث النبي ﷺ الذي رواه أحمد والطبراني عن عمرو بن العاص: «إِنَّ الإِسْلامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَـبْلَهُ» يدل على أن من أسلم من الكفار فإن ما كان منه قبل الإسلام يعدُ كأن لم يكن، أي لا يحاسب على ما كان منه قبل الإسلام، فدخوله في الإسلام يمحو ما كان منه من ذنب قبل الإسلام لأن الإسلام يهدم ما كان قبله... ولكن كون النبي ﷺ عند فتح مكة (أهدر دم بضعة نفر كانوا يؤذون الإسلام والمسلمين في الجاهلية، فأهدر دمهم حتى وإن تعلقوا بأستار الكعبة)، فهذا يفهم منه أنهم يبقون مؤاخذين بما آذوا به المسلمين، حتى لو أسلموا، لأن قول النبي ﷺ: (وإن تعلقوا بأستار الكعبة) يدل على أن النبي ﷺ لم يستثن حالة دخولهم في الإسلام بل أمر بقتلهم على كل حال، ففهمنا من ذلك أن الذين يؤذون الإسلام والمسلمين يعاقبون على ما يفعلونه ولو دخلوا في الإسلام فحديث النبي ﷺ: «إِنَّ الإِسْلامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَـبْلَهُ» لا يشملهم، فهم مستثنون من هذا الحديث، أي أن ما كان منهم من أذية للإسلام والمسلمين لا يجبه الإسلام، بل يؤاخذون به، وأمرهم بعد ذلك إلى الإمام إن شاء عفا عنهم وإن شاء عاقبهم.

 

ويدل على صحة هذا الفهم ما رواه النسائي في سننه عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ النَّاسَ إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَقَالَ اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ وَمَقِيسُ بْنُ صُبَابَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي السَّرْحِ فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ فَأُدْرِكَ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَاسْتَبَقَ إِلَيْهِ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَسَبَقَ سَعِيدٌ عَمَّاراً وَكَانَ أَشَبَّ الرَّجُلَيْنِ فَقَتَلَهُ وَأَمَّا مَقِيسُ بْنُ صُبَابَةَ فَأَدْرَكَهُ النَّاسُ فِي السُّوقِ فَقَتَلُوهُ وَأَمَّا عِكْرِمَةُ فَرَكِبَ الْبَحْرَ فَأَصَابَتْهُمْ عَاصِفٌ فَقَالَ أَصْحَابُ السَّفِينَةِ أَخْلِصُوا فَإِنَّ آلِهَتَكُمْ لَا تُغْنِي عَنْكُمْ شَيْئاً هَاهُنَا فَقَالَ عِكْرِمَةُ وَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ يُنَجِّنِي مِنْ الْبَحْرِ إِلَّا الْإِخْلَاصُ لَا يُنَجِّينِي فِي الْبَرِّ غَيْرُهُ اللَّهُمَّ إِنَّ لَكَ عَلَيَّ عَهْداً إِنْ أَنْتَ عَافَيْتَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ أَنْ آتِيَ مُحَمَّداً ﷺ حَتَّى أَضَعَ يَدِي فِي يَدِهِ فَلَأَجِدَنَّهُ عَفُوّاً كَرِيماً فَجَاءَ فَأَسْلَمَ وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي السَّرْحِ فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثاً كُلَّ ذَلِكَ يَأْبَى فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ فَقَالُوا وَمَا يُدْرِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ هَلَّا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ قَالَ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ أَعْيُنٍ»، فالرسول ﷺ أراد أن يقتل المسلمون عبد الله بن أبي السرح مع أنه جاءه مسلماً يطلب البيعة، وهذا يدل على أن إهدار دم هؤلاء النفر كان على إطلاقه، فلا يحميهم دخولهم في الإسلام من ذلك بالضرورة، بل يرجع أمرهم إلى الإمام، فإن شاء عاقبهم وإن شاء عفا عنهم... وبهذا يكون عدم إيقاع النبي ﷺ عقوبة على من أسلم من الكفار وكان يؤذي المسلمين، كما حصل مع عكرمة بن أبي جهل مثلاً، يكون داخلاً تحت عفو الإمام كما جاء في كتاب الأجهزة: (وحيث إن الرسول ﷺ قد عفا عن بعضهم فيما بعد كعفوه ﷺ عن عكرمة بن أبي جهل؛ لذلك يجوز للخليفة أن يحرك القضية على هؤلاء أو يعفو عنهم.).

 

آمل أن يكون الالتباس في فهم هذه المسألة قد زال.

 

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

17 ربيع الأول 1445هـ

الموافق 2023/10/02م