الولايات الاخرى

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

حقل كاريش يُسقط ورقة العريش

عن أدعياء السيادة والاستقلال وأدعياء المقاومة!

 

تناقلت وسائل الإعلام خلال الأيام الماضية، وبشكلٍ كثيفٍ، ما بات يُعرف بقضية حقل كاريش، حتى حفظ الناس أرقام الخطوط الحدودية بين 23 و29، والمساحة المتنازعة بين 860كم2 أو 1430كم2، ورقم المرسوم 6433، واسم سفينة سحب الغاز "إنيرجن باور" اليونانية، التي وكأنها هبطت بالمظلة قريباً من الخط 29 وعلى رأس السياسيين اللبنانيين! رغم أنَّ أمر حركتها وقدومها إلى المنطقة معلومٌ منذ أشهر! وتوهم بعضهم أنَّ صواريخَ ستنهمر على السفينة، فتذرها قاعاً صفصفاً، وأنَّ صراعاً عسكرياً سيتفجر بين الزاعمين الدفاع عن سيادة لبنان، وكيان يهود المحتل، في مسألةٍ حيويةٍ مثل مسألة مصادر الطاقة هذه!

 

وحتى بعد أن علت بعض الأصوات، المستندة إلى أنَّ الخط 29 هو من حق لبنان، وأنَّ تعطيل سحب الغاز كان وما زال ممكناً بورقة تضعها السلطة عند الأمم المتحدة، لم يستحِ أقطاب السلطة فيسارعوا إلى تعديل المرسوم 6433 بهذه الرسالة التي تجعل المنطقة محل تنازع، ما قد يجعل أي شركةٍ تفكر مراتٍ ومراتٍ قبل أن تباشر أيَّ عمل، لم تقم السلطة الفاسدة العميلة بذلك بل جُلُّ ما صرخ به جميع أقطابها: إننا بانتظار عاموس هوكشتاين! الوسيط الأمريكي في المفاوضات غير المباشرة!

 

عاموس هذا الذي صرح في شباط/فبراير 2022م خلال زيارته إلى لبنان قائلاً: "على لبنان أن يقرر إن كان يريد اتفاقاً مع (إسرائيل)، حتى يتمكن من الدخول في أعمال الاستكشاف النفطية، والحصول على الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد، وعلى النشاط الاقتصادي، والحصول على الموارد الخاصة". علماً أنَّ إحدى أكبر شركات بلاد عاموس هذا، شركة "هاليبرتون" الأمريكية، هي من أهم المستثمرين في حقل كاريش! ومن المتوقع أن تباشر عملياتها خلال الأيام القادمة.

 

لكن جو الانتخابات، وسعي أطراف السلطة للعودة إلى مقاعد النيابة، وحصد أصوات جماهيرهم، جعلهم يلقون على هذا الأمر ظلال التعمية، لعلمهم أنَّ هذه القضية قد تحرقهم انتخابياً، لكن مصلحة أمريكا العليا أكبر منهم، وخاصةً في موضوع الغاز، الذي هو موضوعٌ على صفيحٍ ساخنٍ على مستوى العالم اليوم؛ مصلحة أمريكا هذه جعلتها لا تعطي نفساً لعملائها في لبنان ليلتقطوه بعد الانتخابات، فانطلقت قضية تجار المخدرات وضربهم الذي تُوفر أمريكا دعماً لوقفه من لبنان، لتأمين لبنان لشركاتها واستثماراتها، وربما لحصر هذه التجارة بيد النظام السوري المجرم! وتصاعدت بسرعةٍ كذلك قضية حقل كاريش. وليست أخبار صفقة بين إيران وأمريكا بالسماح لإيران بتصدير الغاز والنفط، لتغطية العجز الحاصل بسبب أوضاع أوكرانيا وروسيا، دون ربطها بالملف النووي والعقوبات، ليست ببعيدة عن كاريش والتنقيب فيه، وكأنَّ النفط والغاز الإيراني وتسويقه والعوائد التي ستعود على إيران، يقابله سكوت أتباع إيران في لبنان عن قضية كاريش!

 

إنَّ تواطؤ السياسيين اللبنانيين، من أعلى رأس الهرم إلى أسفله، ومن يمينه إلى يساره، يُمكن أن يُكتب فيه مطولات، لكننا ندعوكم لمراجعة تصريحات وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب لصحيفة الجمهورية في شباط 2022م ومنها قوله: "إنه من المقتنعين بأنَّ خط 23 هو الذي يحقق مصلحة لبنان، متسائلاً: هل نريد أن نخوض معارك شعبوية أم بدنا ناكل العنب؟ لافتاً إلى أنَّ المرسوم المتعلق بالخط 23 صدر قبل 11 سنة، حاملا توقيعي رئيس الجمهورية آنذاك ميشال سليمان ورئيس الحكومة الذي وللمصادفة هو نفسه اليوم، أي ​نجيب ميقاتي​، وبالتالي الحكم استمرارية والدولة يجب أن تحترم توقيعها،كما أفاد بأنَّ الوفد المفاوض كان قد أبلغ إليه أنَّ طرح الخط 29 هو للتّفاوض... ورأى أنّ التمسك بالخط 29 لن يؤدي إلى نتيجة... وأبدى ارتياحه للاقتراحات التي حملها الموفد الأمريكي ​عاموس هوكشتاين​ إلى بيروت"! فالأمر ليس بجديدٍ عند هذه السلطة الفاسدة العميلة.

 

وقبلها في تموز 2021م، كان للنائب إلياس بو صعب (نائب رئيس المجلس النيابي الحالي) كلامٌ في موضوع ترسيم الحدود البحرية على قناة "LBCI" أعلن فيه بأنه "يتناقش مع الجانب الأمريكي في هذا الملف"، هذا رغم تعليق المفاوضات غير المباشرة مع كيان يهود في حينه! ورغم وجود جهة وحيدة مكلفة بموضوع التفاوض من قِبل رئاسة الجمهورية! فالصفقات تدور وتُعقد في الخفاء منذ سنوات.

 

وأكثر من ذلك فإن تقرير المكتب الهيدروغرافي البريطاني الذي كلفته السلطة دراسة موضوع الحدود البحرية أشار إلى أنَّ الخط 23 فيه عيوب كثيرة، وأنه على استعداد لتحضير دراسة تبين حقوق لبنان الإضافية أي ما يعرف اليوم بخط الـ29!

 

إنَّ كمية الدجل السياسي الذي مارسته السلطة بكل رموزها وأحزابها وصولاً للانتخابات ومقاعد البرلمان، لأمرٌ تشمئز منه النفوس السوية، بسبب حجم الاستخفاف الذي يمارسه هؤلاء بحق الناس.

 

وشبه إجماع الوجوه القديمة، من أحزاب السلطة، التي عادت للمجلس النيابي بعد هزلية الانتخابات النيابية، إجماعها على أنَّ حق لبنان الرسمي المقبول والمودع عند الأمم المتحدة هو عند الخط 23 لأمرٌ يثير الريبة عن ماهية الصفقة بينهم وبين أمريكا.

 

وربط حزب إيران لأمر "تصديه" لسلب ثروات لبنان، ربطه بإعلان الدولة اللبنانية أنَّ خط 29 هو حق لبنان، لأمرٌ وراءه ما وراءه، من السير في تسليم جزءٍ من أراضي المسلمين وثرواتهم في لبنان لكيان يهود، مع تجميله بالعبارات السياسية. أليس الدفاع عن المصالح الحيوية هو في صلب عمل كل من يدعي دفاعاً عن البلد؟! وما هو الأكثر حيويةً للبنان اليوم مما ينتشله من المشاكل الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية التي يعيشها منذ سنوات؟!

 

لقد صَمَتَ الجميع صمتاً مريباً! وعلقوا الأمر بسيدهم الأمريكي الذي يقدم مصالحه ومصالح شركاته على شعارات أدعياء أقطاب السلطة من السيادة والاستقلال، وأدعياء المقاومة ومعادلات الردع والدفاع عن الثروات.

 

بكل وضوحٍ وبساطةٍ: إنَّ ما يحصل اليوم في لبنان بشأن الغاز والنفط والترسيم والتنازع المزعوم، ما هو إلا طريقٌ يمهد لفتح الباب لوباء التطبيع المشؤوم، لا سيما وأنَّ وباء التطبيع قد أصاب كُلَّ حكام المنطقة، فنال خزيه مؤخراً حكام الخليج، وسبقهم للخزي منذ سنين حكام مصر والأردن ومنظمة (التحرير) الفلسطينية. وما بقي من الحكام فهم يؤيدون من خلف ستار، منتظرين دورهم! ومنهم حكام لبنان الذين لم يستحوا من التصريح في أكثر من مناسبةٍ أنه لا مشكلة بينهم وبين كيان يهود المحتل، أو أنه لا مشكلة أيديولوجية بينهم وبين هذا الكيان.

 

إننا نقول لكل هؤلاء: تعساً لكم وأضل الله أعمالكم؛ إنَّ هذه الأرض المباركة، بيت المقدس وأكناف بيت المقدس وبلاد الشام، هي التي تكفل الله عز وجل لرسوله ﷺ بها: «...إنَّ اللهَ قَدْ تكفَّلَ لِي بالشَّامِ وأهْلِهِ»، وهي عقر دار الإسلام كما أخبر رسول الله ﷺ: «...ألا إِنَّ عُقْرَ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ»، ولا نخشى على عاقبتها فالله عز وجل وعد: ﴿إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾، لكننا نسأل الله عز وجل أن يدرك أهل لبنان قيمة بلادهم، التي يتنافسها الغرب الكافر المستعمر، ويقفوا معنا يداً واحدةً في وجه هذه السلطة التي تسعى لخراب لبنان، والتي عادت إلى استلام الحكم عبر صناديق الانتخاب! وها هي تُمعن في المزيد من عمالتها وفسادها، وتقدم ثروات لبنان لقمةً سائغةً للغرب، لا سيما أمريكا، دون قطرة دمٍ تُسال، بل بغازٍ مُسالٍ لمصلحة أمريكا وكيان يهود.

 

لذا، فإننا في حزب التحرير في ولاية لبنان نكرر الدعوة لكم للعمل معنا، عسى أن يورثنا الله عز وجل وإياكم هذه الديار، في دولةٍ إسلاميةٍ؛ خلافةٍ راشدةٍ على منهاج النبوة، تضم بلاد الشام تحت جناح عزها، ويُربط فيها لبنان بمحيطه الشامي وبالأمة ليستفيد من ثرواته وثروات البلاد الإسلامية، ويتحقق فينا وفيكم، بفضل الله عز وجل وحده، ما تحقق للأوائل: ﴿وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً﴾.

 

 

التاريخ الهجري :10 من ذي القعدة 1443هـ
التاريخ الميلادي : الخميس, 09 حزيران/يونيو 2022م

حزب التحرير
ولاية لبنان

آخر الإضافات