بسم الله الرحمن الرحيم

الخصخصة والاستثمار تمهيدٌ لهدم الاقتصاد في العراق وتمكينٌ أكبرُ للاحتلال

 

 

أفادت تقارير بأن عشرات من الشركات الحكومية العراقية يمكن أن تخصخص وتستثمر في غضون عام. وصرّح (تيم كارني) مستشار التحالف البارز في وزارة الصناعة والمعادن العراقية لصحيفة (فاينانشال تايمز) «بأن الحاجة للاستثمار الأجنبي كبيرةٌ للغاية، بحيث لا يمكن تأجيل الخصخصة» . وكان التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة قد قال في وقتٍ سابق: «إنه ينتظر تشكيل حكومة عراقية كي يبدأ في عملية الخصخصة والاستثمار». وأضافت الصحيفة أن السيد كارني التقى بمسؤولين من وزارة الصناعة العراقية، في أول جلسة للتفكير المبدع حول كيفية البدء في عملية الخصخصة. وصرّح كارني للصحيفة «بأن الوزارة بدأت في تقسيم مشاريعها إلى مشاريع يمكن خصخصتها في وقتٍ مبكّر، وأخرى ينبغي تأجيلها، وثالثة ينبغي حلّها أو دمجها قبل بيعها». إلا أن الملاحظ أن هناك أعمال تهيئة وإعداد لهذا التحويل وبمباركة وتوجيه مما يسمى بمجلس الحكم الانتقالي، فقد قامت وزارة الصناعة والمعادن أخيراً وبتوجيهٍ مما يسمى بمجلس الوزراء بالإيعاز إلى شركات الإسمنت العراقية الشمالية والجنوبية، وتخضع لها إدارياً جميع معامل الإسمنت الموجودة في العراق، برفع سعر الإسمنت إلى 60 دولاراً أميركياً للطن الواحد بذريعة مراعاة السعر العالمي!! بعد أن كان سعر الطن الواحد منه خمسين ألف دينار عراقي بعد الحرب، وتسعة عشر ألف دينار قبل الحرب. علماً بأن تكلفة تصنيع الطن الواحد منه لا تزيد عن ثلاثة آلاف دينار!! وقد قيل: أولُ الغيثِ قطرٌ ثم ينهمرُ.
أيها المسلمون:
لقد فرض الغرب الكافر علينا أنظمته وأفكاره ووجهة نظره في الحياة، فظهرت في كل شيء، في الدعوة إلى الحوار بين الأديان، والتقارب بين الحضارات، والحريات وغيرها كثير. وحين أراد أن يضع يده على ثرواتنا جاءنا بأفكار تؤهله لذلك، فجاءنا بفكرة الخصخصة والاستثمار الأجنبي وحرية السوق، ليسيطر على كل شيء. وأخذ حكام بلاد المسلمين يحاكونه ويقلدونه في كل شيء. وأخيراً خرج علينا ما يسمى بمجلس الحكم الانتقالي ممثلاً بوزيره المالي كامل الكيلاني بعرضه ودعوته للسماح للاستثمارات الأجنبية وفي كافة قطاعات البلد وبنسبة 100% !! عدا قطاع النفط لكي لا يحرج أميركا!. لقد اتبعوا الغرب شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخل جحر ضبٍّ لدخلوه!.
لقد عمّت هذه الفكرة كثيراً من بلاد المسلمين كالأردن واليمن والسعودية ومصر وتركيا وإندونيسيا وباكستان وغيرها، ولما كانت هذه الفكرة فكرة رأسمالية منبثقة عن وجهة نظر الغرب في الحياة، وباعتبارنا مسلمين يجب علينا أن نحكّم الإسلام في علاقاتنا كلها كان لا بد لنا من معرفة حكم الشرع فيها بعد معرفة واقعها. وهي تعني، أي الخصخصة، تحويل المصانع والمؤسسات والمنشآت والمرافق الاقتصادية من ملكية الدولة أو الملكية العامة إلى الملكية الخاصة، وتنصّ على أنه كلما تحرّر القطاع الخاص في العمل والاستثمار والاستخدام، زاد النمو الاقتصادي والازدهار. وبناءً على هذا يكون دور الدولة الاقتصادي الرقابة وضبط النظام فقط!. وأما الاستثمار الأجنبي فهو اجتذاب رأس المال الأجنبي للاستثمار في بلادنا، وتقديم التسهيلات له، ويسميه البعض تجميلاً بالشريك الاستراتيجي!.
والخصخصة والاستثمار مخالفة لأحكام ديننا الحنيف، ولا تحل مشاكلنا، بل تضيف مشاكل أخرى إلى مشاكلنا، وتصبح عقدةً تضاف إلى عقد المجتمع الكثيرة، لأن الحكام باسم الخصخصة والاستثمار يتخلّون عن رعاية شؤون الناس التي فرضها اللّه عليهم، وباسم الشريك الاستراتيجي والخبرة الأجنبية، يملّكون مقدّرات الأمة ومصالحها للكفار. الذين يضربون الصناعة الوطنية من جهة، ومن جهةٍ أخرى يخرجون المال بطرق مشروعة وغير مشروعة من البلاد. فهم أعداء داخل حصون البلد، وأداة من أدوات إفلاسه وهدمه. وهذه جرائم يستحق فاعلها والساكت عليها عذاب اللَّه تعالى، لأن اللَّه عز وجلّ يقول: {وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } [النساء/141] . ولإدراك ذلك لا بد من بيان واقع الملكية العامة في الإسلام، وكيفية التصرف بها، فقد عرّف الإسلام الملكية العامة بأنها: «إذن الشارع- أي اللَّه عزّ وجلّ وحده- للجماعة بالاشتراك في الانتفاع بالشيء» وتنحصر هذه الملكية في الأنواع الثلاثة التالية:
أ- ما هو من مرافق الجماعة: وهي الأشياء التي لا تستغني عنها حياة الجماعة، وتتفرق عند فقدها في طلبها كالماء والكلأ (العشب والمراعي الطبيعية) والوقود أو الطاقة، عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «المسلمون شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار» رواه أبو داود. ويلحق بهذا النوع من الملكيات العامة، كل آلة تستعمل فيه كآلات استخراج المياه العامة، وأنابيب توصيلها، وكآلات توليد الكهرباء من مساقط المياه العامة، وأعمدتها وأسلاكها ومحطاتها.
ب- المعادن التي لا تنقطع وهي المعادن الكثيرة غير محدودة المقدار. أما المعادن القليلة المحدودة المقدار فإنها تكون من الملكية الفردية، وتعامل معاملة الركاز وفيها الخمس. ومن المعادن التي لا تنقطع مناجم الذهب والفضة والبترول والفوسفات والحديد والكبريت وغيرها، ودليل ذلك ما روى الترمذي عن أبيض بن حمّال: «أنه وفد إلى رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فاستقطعه الملح- أي طلب أن يعطيه أرضاً فيها ملح- فقطع له، فلما أن ولّى قال رجلٌ من المجلس أتدري ما قطعت له؟ إنما قطعت له الماء العدّ، قال فانتزعه منه»، فلما علم أنه من المعدن الدائم الذي لا ينقطع رجع عن إقطاعه، وأرجعه منه، ومنع ملكية الفرد له، لأنه ملكية عامة أي من ملكية الجماعة.
ج- الأشياء التي من طبيعة تكوينها تمنع اختصاص الفرد بحيازتها كالطرق والأنهار والبحيرات والمساجد ومدارس الدولة والساحات العامة، وهي الأعيان التي تشتمل على المنافع العامة أي لعموم الناس. قال عليه الصلاة والسلام: «منى مناخ من سبق» أي أن منى ملك لجميع الناس، فمن سبق في أي مكانٍ منها وأناخ فيه فهو له. وقال أيضاً «لا حمى إلا للّه ولرسوله» أي ليس لأحد أن يختص بحمى شيءٍ مما هو لعموم الناس. والحِمى هو المكان المحمي.
وأما المصانع والمنشآت فإنها تأخذ حكم ما تصنع فإن أُنشئت لتصنيع ما هو من الملكية العامة، كانت ملكية عامة، كمصانع تكرير النفط، وإن أنشئت لتصنيع ملكية فردية كمصانع النسيج والسيارات وغيرها كانت ملكية فردية.
هذه الأنواع الثلاثة هي أنواع الملكية العامة في الإسلام لا يجوز للأفراد بصفتهم الفردية أو للدولة أن يتملكوا منها شيئاً، ولا يجوز للدولة أن تبيعها أو تملّكها لأيٍّ كان، ولا أن تخصّ بها فئةً دون أخرى لأنها ليست ملكاً لها، فيكون بيع أي جزءٍ منها أو تأجيره جريمة كبرى واعتداءً سافراً، وهو حرام شرعاً، بل ويحرم على الأمة أن تسكت عنه وترضى به. ولا يحق لأي حاكمٍ أو أي نظام التصرّف فيها إلا وفق ما بيّنه الشرع، ويكون دور الدولة فيها مقتصراً على تمكين الرعية من الانتفاع بهذه الملكية فرداً فرداً، وفق أساليب وإجراءات تحقق ذلك.
أيها المسلمون: إن ما حلّ بالعراق وما يحلّ في أي بلدٍ من بلاد المسلمين من احتلال وسيطرة وتحكّم للكفار لا يمكن أن يكون لولا رضا الحكام وسكوتهم، أو تآمرهم معهم على المسلمين، وما قبولهم بالخصخصة والاستثمار الأجنبي في بلادنا إلا دليل قريب على ذلك، ودليل واضح بيّن على مشاركتهم في هذا المخطط الشنيع الذي أحكم تخطيطه وتنفيذه الكافر المحتل لنهب ثروات الأمة وخيراتها، وليحكم قبضته عليها. فلا ينبغي أن يتوقع أحد من الناس أن يأتيه خيرٌ من هؤلاء الحكام، ولا من هؤلاء الكفار، أعداء الله ورسوله، بل ويجب علينا جميعاً دفع هذا الكافر المحتل، وإخراجه من بلادنا وكافة بلاد المسلمين. فإلى العمل جميعاً معنا ندعوكم أيها المسلمون إلى إفشال هذه المخططات اللئيمة، وغيرها كثير، ولن يكون ذلك إلا بالعمل من أجل استئناف الحياة الإسلامية بإقامة الدولة الإسلامية التي ترعى شؤون الناس كل الناس بالعدل والحق والخير بنظام من رب العالمين وحده الخالق المدبّر لا غير.
فإلى العمل ندعوكم أيها المسلمون {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }

 

الأربعاء الثاني عشر من شعبان 1424هـ
 
حزب التحرير

الموافق

2003/10/08م
 
ولاية العراق