فكرية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

عمالة الأطفال سببها النظام الرأسمالي

 

 

كشفت وزيرة العمل والإصلاح الإداري في السودان سعاد الطيب حسن، عن إصدار قائمة تحرّم 61 عملاً على الأطفال، من بينها عمل الأطفال في مناجم التعدين بجانب العمل في البحار وفي المصانع الحرارية. وأشارت سعاد بحسب صحيفة الحراك السياسي الصادرة في 28 حزيران/يونيو 2022م، إلى أنّ هذه اللائحة أتت استناداً إلى قانون الطفل السوداني لسنة 2010، وعبّرت عن قلقها إزاء عمالة الأطفال في المناطق الخطرة والتي شملتها اللائحة.

 

إن فكرة عمالة الأطفال نشأت في الغرب عندما بدأت المصانع والمناجم باستخدام الأطفال واستغلالهم، وكانوا يُجبرونهم على العمل ساعات طويلة في ظروف صحية قاسية وبأجور زهيدة. ورغم سَنّ القوانين لتصحيح هذا الوضع إلا أن المشكلة لا تزال متفاقمة بشكل يدعو للقلق، فلا يزال تشغيل ملايين الأطفال يتم بشكل غير إنساني وفي ظروف قاسية ليس فقط في الدول النامية والفقيرة بل وأيضا في الدول ذات الاقتصاديات الكبيرة، حيث أشارت تقديرات منظمة العمل الدولية في وقت سابق أن هناك نحو 215 مليون طفل دون سن 18 عاماً يعملون، ويعمل كثير منهم بدوام كامل، في جميع أنحاء العالم. وكان للبلاد الإسلامية نصيب كبير من تلك الإحصائيات المخيفة المقلقة التي تبين مدى الاستغلال والعنف والإيذاء بحق الأطفال الذين أجبرتهم الظروف التي فرضتها الحكومات العاجزة عن توفير حياة كريمة للأطفال رغم تشدقها بما أسمته حقوق الطفل وقانون الطفل، فانغمس الأطفال في طوفان الفقر الذي لا يرحم صغيرا ولا كبيراً رغم غنى بلادهم بالموارد ظاهرة وباطنة. أما حروب الوكالة المصطنعة التي قتلت المعيل وجعلت الأطفال في عمر السابعة يعولون أسراً كاملة وينفقون عليها من أعمال أكبر من أعمارهم وعقولهم، ولا ننصفهم إذا قلنا إنها أعمال شاقة مع خروج كثير من الأطفال من دائرة التعليم وتموضعهم في ظروف عمل تنتهك أجسادهم وأعمارهم وحياتهم، كل ذلك سببه خنوع الحكومات للغرب المستعمر الذي لا يزال يصنع الأزمات حتى يؤمّن استمرار نهب الثروات.

 

 لم يعرف أطفال المسلمين العمل الشاق لكسب لقمة العيش، فقد أوجب الله تعالى النفقة على الوالد على أولاده الصغار الذين لا مال لهم، وجعل ذلك من القُربات التي يتقرّب بها إلى الله، وتنتقل النفقة للولي من العصبة، وهذه ضمانة استمرار النفقة في حالة أصيب الأب أو مات، ثم تنتقل النفقة إلى الدولة إذا عدم العائل. وقد فرض سيدنا عمر رضي الله عنه للأطفال قبل الفطام نفقة من بيت مال المسلمين. وكان أطفال المسلمين في ظل الدولة الإسلامية التي توجب نفقتهم على آبائهم وتنتقل في حالة الإعسار إلى الدولة ذات الموارد المتعددة من زكاة وخراج وجزية وفيء وغيرها.

 

كانت أعمارهم صغيرة لكن عقولهم كبيرة بسبب تفرغهم للفروسية والعلم، ومنهم من حاز علمه القبول في سن مبكرة، حتى رَوى عنه في عصره مَن هو أسنّ منه فضُربت إليه أكباد الإبل من الآفاق واعترفوا له، وروت الأئمة عنه ممن كان أقدم منه سنّاً وتصدّر كبار الأئمة للساحة العلمية وهم في مرحلة الطفولة وحفظوا القرآن والسنة النبوية وحازوا شرفا ورفعة بالعلم.

 

فالإمام أحمد بن حنبل حفظ القرآن الكريم وهو لم يجاوز العاشرة من عمره، وأصبح بعد ذلك علماً من أعلام الدين، إماماً في الحديث وعلومه، إماماً في الفقه ودقائقه، إماماً في السنة وطرائقها، إماماً في الورع وغوامضه، إماماً في الزهد وحقائقه.

 

وشيخُ الإسلام وعالم الأُمّة مالك بن أنس (93-179هـ) الذي أخذ عن تلامذة الصحابة من التابعين، وبدأ الطلب وعمره سبع سنين ليتصدر للإفادة والتدريس والفتوى في حياة مشايخه وهو ابن سبع عشرة سنة، ثم زادت حلقته اتساعاً حتى فاقت حلقات أقرانه وأساتذته. فكان القرآن العظيم - وهو كلام الله جل ذِكْره - الهاجس الأكبر للأطفال، يَقرَؤه ويُردِّده غُدوّاً وعَشيّاً في الخَلوة والجَلوة، يتلوه تدبُّراً وتفكُّراً، قراءة وعملاً، حتى إذا شبَّ عن الطوق، شبَّ وقد امتلأ صدرُه بنور القرآن، وشغف قلبه بحبه، فكان تقيّاً نقيّاً، عالِماً عاملاً.

 

فأيُّ سعادة يُحصِّلها الأطفال بعد هذه؟! وأي حقوق صاغتها العقول المتعلمنة التي لا تنظر لأطفال المسلمين إلا كمشاريع للغرب وحضارته المنتهكة لحقوق الأطفال؟!

 

إن حقوق الطفل التي تلوكها الألسن ما هي إلا خداع وتضليل من النظام الرأسمالي الذي انتهك حقوق وجود الطفل في الحياة بقوانين الإجهاض وتنظيم الأسرة! وإن الخلافة الراشدة على منهاج النبوة ستعيد للأطفال حقوقهم التي يعشون بها صغارا في أعمارهم كبارا بعلمهم.

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

غادة عبد الجبار (أم أواب) – ولاية السودان

آخر الإضافات