سياسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

انقلاب النيجر، والتداعيات المحتملة على الجزائر

 

 

مقدمة

لم يقف العبث الأمريكي بأمن المنطقة على ما حصل في ليبيا من اقتتال، ولا على تحريك قوى التمرد في تشاد بمساعدة من حفتر ضد نفوذ فرنسا هناك، ولا على سياسة الأرض المحروقة التي انتهجتها أمريكا في السودان ليصبح الشعب وقود حرب معلنة بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع... لم يقف العبث الأمريكي عند هذا الحد، بل ها هم رجالاتها في النيجر يصلون إلى مرحلة كسر العظام في تكالبهم على السلطة، بين رئيس مخلوع تحاول بعض القوى إعادته إلى سدة الحكم، وبين مجلس عسكري يستمد شرعيته من محاولات توظيف هذا الانقلاب ضد المصالح الفرنسية في البلاد، فيما تمد السلطات الأمريكية جسور التواصل مع الانقلابيين من أنصار الرئيس السابق محمد يوسفو، وتبحث معهم سبل الوصول إلى حلول دبلوماسية، وتوجه جيران النيجر نحو تبني هذا الحل وفق رؤية الإدارة الأمريكية للأزمة. وهكذا تدل كل المؤشرات إلى حد اللحظة ألا رجوع عن انقلاب 2023/07/26.

 

في المقابل، لا تزال السلطات الفرنسية تعد أزماتها في الداخل والخارج، وهي تشاهد المظاهرات الحاشدة ضد قاعدتها العسكرية في العاصمة نيامي، والمنددة بسياساتها الاستعمارية، وتسمع كغيرها من المتابعين أخبار إلغاء اتفاقيات عسكرية معها، حتى وصل بها المطاف إلى تحذير الغرب من قيام خلافة إسلامية في النيجر على خلفية هذا الانقلاب، كما ورد على لسان وزير الجيوش الفرنسي في مقابلة مع صحيفة "فار ماتان" يوم 2023/08/13، عسى أن تحشد فرنسا الصليبية بعض القوى معها في حال التدخل العسكري، ولكن يبدو أنها لم تجد إلى الآن من يُعزّيها في فقدان مستعمراتها على غرار مالي وبوركينا فاسو.

 

وسط هذه الأجواء من التكالب الاستعماري على بلاد الإسلام، وتزايد المطامع الغربية على المنطقة، وفي سياق الحرب الحضارية المعلنة على الإسلام والمسلمين، يفترض أن يكون للجزائر ذات الثقل الاستراتيجي دور مهم فيما يجري في محيطها الإقليمي، خاصة إذا عدلت بوصلتها على رؤية حضارية متميزة تلغي المشاريع الاستعمارية في المنطقة، وعلى مشروع تحرري نهضوي يستمد أسسه وشرعيته من الإسلام العظيم، فتُشكل على أساسه كل التحالفات والاتفاقيات والمعاهدات.

 

فما هي تداعيات انقلاب النيجر على الجزائر؟ وهل يستطيع القادة المخلصون في هذا البلد قلب الطاولة على القوى المتربصة بمنطقة شمال أفريقيا والساحل الأفريقي، ليسطروا بذلك تاريخا جديدا لشعوب المنطقة، فتعود الدار إلى أهلها ويطرد كل قوى الاستعمار؟

 

الجزائر قوة صاعدة

 

لا يخفى على كل متابع، أن الجزائر هي دولة ذات شأن وهي قوة إقليمية صاعدة، تحتل مكانة استراتيجية في المنطقة إذ هي بمثابة المفصل على المستوى الإقليمي، كما أنها تقع في منطقة ربط بين أوروبا وأفريقيا، فضلا عن كونها بوابة عبور للعديد من البلدان الأفريقية، وفوق ذلك كلّه فإن انتماءها العربي والإسلامي يعطيانها ثقلاً مهماً يزيد من اهتمام القوى الكبرى بها خشية تفلتها من قبضة النظام العالمي، خاصة إذا أدركت أن استراتيجية الأمن القومي بشكلها الحالي لا تخدم إلا من رسم الحدود الاستعمارية.

 

هذه العوامل وغيرها، جعلت من الجزائر محط أنظار كلا المعسكرين الشرقي والغربي، خاصة في فترة ما بعد الأزمة الروسية الأوكرانية، حيث تنظر إليها أوروبا المتداعية إلى الانهيار على أنها البديل الطاقي لروسيا وأنها الضامنة لتصدير الغاز والنفط الأفريقي نحو أوروبا، في حين تزايد الاهتمام الأمريكي بها وبجوارها أكثر من أي وقت مضى، وسارعت تركيا إلى مد جسور التواصل معها وعقد اتفاقيات في مجالات عدة على غرار التعليم والبحث العلمي والصناعة والتجارة والطاقة، في المقابل نجدها تحافظ على علاقات اقتصادية وعسكرية وثيقة بكل من روسيا والصين، حيث تم توقيع إعلان الشراكة العميقة مع روسيا بتاريخ 2023/06/15، ثم توقيع اتفاقيات أمنية وعسكرية واقتصادية مع الصين بتاريخ 2023/07/18، وذلك إثر زيارة رسمية للرئيس الجزائري لهذين البلدين.

 

الزحف الأمريكي في منطقة الساحل وشمال أفريقيا

 

إن إعادة قراءة الأحداث في المنطقة، تري أن أمريكا تتقدم بخطا حثيثة وللأسف في مسار محاوطة أطراف الجزائر وتطويقها، وذلك من خلال الانقلابات العسكرية الموالية لها جنوبا، ومن خلال الاتفاقيات العسكرية مع جيرانها شرقا (تونس) وغربا (المغرب)، حيث لم تكتف بعقد اتفاقيات عسكرية لمدة 10 أعوام مع كلا البلدين سنة 2020، بل راحت تسند لكل منهما صفة حليف من خارج حلف شمال الأطلسي، هذا فضلا عن إشراكهما في مناورات الأسد الأفريقي السنوية وبرامج قيادة الولايات المتحدة لأفريقيا - أفريكوم وأهمها رحلات الشراكة الأفريقية، فيما يغازل الناتو موريتانيا على شاطئ الأطلسي، على أمل دغدغة الفضول الروسي والتركي في كسب بعض المصالح في كامل المنطقة، والاستعانة بجهود كل منهما في محاولة ركل اللاعب الأوروبي خارج الميدان الأفريقي، بعد أن رضي الجميع بأن تكون رأس الكفر أمريكا حكم هذه المباراة الدولية واللاعب الرئيسي فيها.

 

ولم يقف الزحف الأمريكي في المنطقة عند هذا الحد، فبعد أن وضعت قاعدة عسكرية لأفريكوم على تخوم الشمال الأفريقي، وهي قاعدة "مورون" بإسبانيا التي تشرف على عمليات عسكرية في دول أفريقية على غرار الصومال والنيجر وجنوب السودان وبوركينا فاسو، (وهو أمر معلوم لدى المخابرات العسكرية الجزائرية)، سارعت أمريكا إلى سحب بساط السلطة من تحت أقدام الإنجليز في الجارة ليبيا وإلى إثارة الفوضى في السودان، ساعية إلى بسط نفوذها بالكامل في كلا البلدين، فضلا عن تحريكها لقوى التمرد في تشاد ضد نفوذ فرنسا، مستعينة بجهود عميلها حفتر في ليبيا. وهكذا تتغول أمريكا التي تعتبر أكبر مستورد للنفط في العالم وتتوغل في أفريقيا، بعد أن تضاعفت نسبة وارداتها من النفط الأفريقي من 15 إلى 25% في العشر سنوات الماضية.

 

وفيما تمثل النيجر وباقي دول الساحل الأفريقي فناءً خلفياً للجزائر وعمقا استراتيجيا لها، بل في الوقت الذي رمت فيه الجزائر بكل ثقلها الدبلوماسي والإقليمي في القارة الأفريقية، فوطدت علاقاتها بالدول الأفريقية وشطبت ديون 14 دولة منها، وتوّجت هذا المسار بإعلان الجزائر والنيجر ونيجيريا اتفاقها لبدء وضع اللبنات الأولى لتسريع عملية إنجاز أكبر المشاريع الواعدة وهو مشروع مد خط الغاز العابر للصحراء الذي يبلغ طوله 4000 كم من أجل إيصال صادرات الغاز النيجرية نحو أوروبا، في هذا الوقت، تأتي الانقلابات المتتالية جنوبا وكأنها ترسم الخط العازل للجزائر عن محيطها الإقليمي وعن هذا العمق الاستراتيجي الواعد، بل وكأنها ترسم الحد الفاصل والخط القاطع لتدفق الغاز النيجيري عبر أدغال أفريقيا نحو القارة العجوز، بما قد يفوت على الجزائر فرصا كبيرة أمام مسار البحث الأوروبي عن بديل طاقي، فضلا عن إمكانية التخلي عن مشروعي الطريق وخط الألياف البصرية العابرين للصحراء، وعن إنشاء منطقة تجارة حرة في شمال النيجر. وهو ما يستدرج قادتها نحو الالتجاء إلى الحضن الأمريكي في خضم هذا الصراع الدولي المحتدم على أفريقيا، بما قد يقطع الطريق أمام الاتحاد الأوروبي ومجموعة دول بريكس في آن واحد، بحسب نظرية التفرد الأمريكي بقيادة العالم. فإلى أي مدى ستصمد الجزائر أمام هذه الأجندة الماكرة وهذا التمدد الأمريكي في أفريقيا؟

 

ثم إذا كانت فرنسا قد انسحبت من قاعدة "ماداما" العسكرية في النيجر منذ سنة 2019، وربما يُفرض عليها لاحقا سحب جنودها من كامل النيجر على غرار ما حصل في مالي، فقد أكد المتحدث باسم البنتاغون باتريك رايدر بتاريخ 2023/08/14 أن واشنطن ليست لديها أيُّ نية لسحب قواتها من النيجر مشيرا إلى أنها تراقب الوضع عن كثب في هذا البلد. كما أفادت مصادر عسكرية أن الولايات المتحدة تسعى للاحتفاظ بحضورها العسكري في النيجر والذي يُقدَّرُ بنحو 1300 جندي يتمركزون في قاعدتين تقع الأولى بالقرب من مدينة أغاديس شمالي البلاد والثانية بمحيط العاصمة نيامي، وهذا يؤكد أن أمريكا قد ضمنت الأجواء الآمنة الكفيلة لبقائها وذلك تحت ذريعة مواجهة التغلغل الروسي وإمكانية وصول مجموعة فاغنر إلى النيجر، فضلا عن ذريعة مواجهة الإرهاب الذي تباشر صناعته بنفسها في منطقة الساحل الأفريقي.

 

فهل ستتعامل الجزائر بجدية مع هذا الحجم من التهديدات الأمريكية في منطقة شمال أفريقيا والساحل؟ أم أنها ستكتفي بنصف انتصار على فرنسا، وتعتبر ذلك إنجازا تاريخيا قد يفتح الأبواب على مصراعيها لاحقا أمام المستعمر الأمريكي ليقتحم كامل المنطقة؟

 

تزايد الضغط الأمريكي على الجزائر

 

لقد قاومت الجزائر الموالية للإنجليز مخططات أمريكا في شمال أفريقيا طوال عقود، ورفضت إنشاء قاعدة عسكرية لأفريكوم على أراضيها، ولكن الضغط الأمريكي على المنطقة صار متزايدا في الفترة الأخيرة، وصارت التهديدات أكثر جدية منذ الإعلان عن السياق الاستراتيجي لعقيدة الناتو الجديدة في الساحة الأفريقية، حيث تم دمج منطقة شمال أفريقيا والساحل في صلب العقيدة الاستراتيجية للحلف كما صدر عن قمة مدريد في 2022/07/30.

 

ولا يمكن أي متابع لتطورات الشمال الأفريقي ألا يلاحظ ارتفاع نسق زيارات المسؤولين الأمريكيين للجزائر، والتي كان آخرها زيارة مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون المنظمات الدولية ميشيل سيسون في 2023/07/25، أي قبل يوم فقط من وقوع انقلاب النيجر، وكان فحوى الزيارة هو الترتيب للقاء مرتقب بين وزير الخارجية الجزائري ونظيره الأمريكي في واشنطن، وتمهيدا لهذا اللقاء فقد تباحثت المسؤولة الأمريكية مع الوزير أحمد عطاف حول المستجدات الإقليمية والدولية، خاصة تطورات الأزمات في كل من ليبيا ومالي والسودان ومنطقة الساحل الصحراوي. (القدس العربي بتاريخ 2023/07/26). وبغض النظر عما إذا كانت الإدارة الأمريكية تتوقع حصول هذا الانقلاب أم لا، فالواضح أن ملف النيجر كان له حيز في جدول أعمال الإدارة الأمريكية قبل وقوع الانقلاب.

 

وتعد زيارة هذه المسؤولة الأمريكية، هي الثانية لها في أقل من عام، حيث جاءت الأولى أواخر كانون الثاني/يناير الماضي، وكذا زيارة بريت ماكجورك، منسق شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجلس الأمن القومي الأمريكي في كانون الأول/ديسمبر الماضي، فضلاً عن الزيارة البارزة التي أجراها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في 2022/03/30، حيث جاءت هذه الزيارة بعد شهر على اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وخلالها بحث بلينكن مع الرئيس تبون سبل تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، كما ناقش قضايا أخرى حول الأمن والاستقرار على الصعيد الإقليمي وقضايا متعلقة بالنهوض بحقوق الإنسان. كما كانت لقائد أفريكوم الفريق أول مايكل لانجلي زيارة رسمية إلى الجزائر في 2023/02/08 وأكد على إثرها أنه تبادل مع رئيسها عبد المجيد تبون وجهات النظر التي ستشكل "أرضية صلبة للعمل معا".

 

في هذا المناخ من الضغط السياسي الأمريكي المتزايد في المنطقة، يأتي انقلاب النيجر ليمثل بشكل أو بآخر ورقة ضغط جديدة على الجزائر، لأن أي توتر أمني على حدودها سينعكس بالضرورة عليها، فالانقلاب العسكري وقع في فنائها الخلفي، في وقت كانت تعمل على حماية ظهرها من التهديدات المتزايدة في الجنوب، حيث لم تمض أشهر قليلة على توقيع اتفاق عسكري مع النيجر يقضي بتسيير دوريات عسكرية مشتركة على كامل الشريط الحدودي الفاصل بين البلدين (وطوله 1000كم)، بهدف مجابهة مختلف أشكال التهديدات الأمنية، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود.

 

في هذا الظرف، تُفاجأ الجزائر بأن هناك من يلعب بورقة أمنها القومي. فبين إرسال مالي وبوركينا فاسو طائرات حربية إلى نيامي واستدراج المجموعة الاقتصادية لغربي أفريقيا "إيكواس" إلى حرب استنزاف في النيجر، تجد الجزائر نفسها وكأنها صارت مجبرة على مسايرة أحد الطرفين: إما الطرف الأمريكي الذي يحرك هذه الدول الثلاث جنوباً ويحاوط أطراف الجزائر، أو الطرف الأوروبي الذي تمثله "الإيكواس" ويعول على موقف مساند من الجزائر، وهما خياران أحلاهما مرّ، لأن فيهما مسايرة لكافر مستعمر لا يرقب في المسلمين إلا ولا ذمة، مع أن العودة إلى حاضنة الأمة الطبيعية هو الخيار البديل بل الأصيل.

 

في الأثناء، قالت وزارة الدفاع في النيجر يوم 2023/08/16 إن 17 جنديا قُتلوا وجُرح 20 آخرون في كمين بمنطقة جنوب غرب البلاد على الحدود مع بوركينا فاسو. ومعلوم أن تحريك ورقة الإرهاب في هذا التوقيت السياسي لا يصب إلا في مصلحة بقاء القوات العسكرية الأمريكية.

 

بل في هذا اليوم نفسه، صدر عن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى تقرير حول التطورات الأخيرة في النيجر، اعتبر أن الانقلاب سلط الضوء مجدداً على ضرورة مراجعة النهج الأمريكي تجاه منطقة الساحل. وذلك من خلال رفع قيمة المبالغ المالية المخصصة سنويا لبرنامج "شراكة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء"، وهو صندوق تأسس عام 2005 لدعم جهود مكافحة الإرهاب في جميع أنحاء المنطقة، من بينها منطقة الساحل. وقد ختم هذا التقرير توصياته للإدارة الأمريكية بالقول: "قد يكون شريك غير تقليدي مثل الجزائر مفيداً نظراً لمعارضة البلاد للانقلاب والتدخل العسكري، ناهيك عن مصالحها في منع صعود الجهاديين".

 

أما عن مشروع خط غاز نيجيريا العابر للصحراء الذي سعت إليه الجزائر، فيبدو أنه أصبح مهددا فعلا، خاصة إذا خضعت نيجيريا إلى أجندة حلف شمال الأطلسي التي تولي اهتماما خاصا بمشروع الأنبوب الغرب أفريقي الذي سينقل الغاز من نيجيريا (أكبر احتياطي للغاز في أفريقيا) إلى المغرب ويمر على 11 دولة أفريقية حسبما أعلن في قمة مدريد 2022/07/30.

 

مخرجات زيارة وزير الخارجية الجزائري إلى واشنطن

 

كما هو مرتب قبيل انقلاب النيجر، زار أحمد عطاف، وزير الخارجية الجزائري أمريكا، في 2023/08/08 لمدة يومين، تلبية لدعوة من نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن، وتعد الأولى منذ توليه منصبه في آذار/مارس 2023، وتأتي بعد أيام قليلة من زيارة موسكو لحضور القمة الروسية الأفريقية في 27 تموز/يوليو الماضي، والتي كانت تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي وتكثيف الحوار السياسي بما يحقق تطلعات البلدين في بناء شراكة استراتيجية تنعكس بشكل إيجابي على علاقاتهم الثنائية من جهة وعلى القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك من جهة أخرى. وهي عناوين كفيلة أن تتخذها الإدارة الأمريكية لإرسال قطاع طرق في ثياب مسؤولين رسميين، أو لاستدعاء مسؤوليين جزائريين.

 

وقد بحث وزير الخارجية الجزائري، مع مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى، ملفات تخص الأوضاع في ليبيا ومالي والنيجر، واتفق معهم على تعزيز العلاقات الثنائية. جاء ذلك خلال لقاء بواشنطن جمع عطاف مع مسؤولين رفيعين بمجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، ووزارة الخارجية الأمريكية، بحسب ما ذكر بيان صادر عن الخارجية الجزائرية.

 

وتطرق عطّاف أثناء محادثاته مع منسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبيت الأبيض بريت ماكغورك إلى تطورات الأزمة في النيجر وسبل تنسيق مساعي البلدين لتعزيز فرص الحل السلمي للأزمة في "هذا البلد الشقيق والجار"، بحسب نص البيان. حيث بدا خلال المؤتمر الصحفي المشترك بين وزير الخارجية الجزائري ونظيره الأمريكي مسايرة جزائرية لفكرة انتهاج الحل السلمي في النيجر، بعيدا عن الدعوات التي أطلقتها "إيكواس" منذ البداية. بل لقد أبلغت الجزائر بتاريخ 2023/08/04 نيجيريا (التي تحتضن إيكواس) برفضها استخدام القوة ضد قادة الانقلاب العسكري في النيجر. حيث جاء ذلك خلال استقبال وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، باباغانا كينجيبي المبعوث الخاص للرئيس النيجيري، أي قبل زيارته الرسمية إلى واشنطن.

 

أما عن بقية مخرجات لقاءات الوزير الجزائري بالمسؤولين الأمريكيين، وبحسب الخارجية الجزائرية، فقد "أكدت هذه اللقاءات على قوة الشراكة التي تجمع بين الجزائر والولايات المتحدة، مبرزةً على وجه الخصوص تطلع الطرفين واستعدادهما للعمل على تعزيزها أكثر في سياق الاستحقاقات الثنائية المقبلة". كما اتفق الوزير عطاف ورئيس المجموعة البرلمانية الأمريكية للصداقة مع الجزائر النائب تروي نالس، على عقد ندوة بشأن التعاون الجزائري الأمريكي بمجال الطاقة قريبا.

 

وذكر بيان آخر للخارجية الجزائرية أن الطرفين اتفقا على خطة عمل تشمل "تنظيم ندوة في واشنطن قريبا حول التعاون الجزائري - الأمريكي في مجال الطاقة ومؤتمر حول الشراكة بين البلدين في مجال الصناعة".

 

وعلى الصعيد الاقتصادي، دعا الوزير عطاف رجال الأعمال الأمريكيين إلى الاستثمار في الجزائر، معددا مزايا بلاده في هذا الجانب. وقال عطاف، خلال لقاء مع اقتصاديين أمريكيين، بحسب البيان، إن "الاستثمار بالجزائر يعني الاستثمار في مستقبل واعد وفي بلد يوفر كافة شروط النجاح كشريك موثوق ومضمون".

ودعا إلى الاستثمار في تقنيات الزراعة الحديثة وأنظمة الري ومرافق المعالجة الزراعية وكذا في تكنولوجيا المعلومات والرعاية الصحية، مشيرا إلى أن 90 بالمئة من التعاون الاقتصادي بين البلدين يمثله قطاع الطاقة.

 

وأفاد بأن بلاده أطلقت مشاريع هيكلية كبرى في الفوسفات والحديد والزنك، إلى جانب شبكة ربط تصل إلى 12000 كلم تصل الجزائر بموريتانيا، ومالي، والنيجر وتشاد. وأشار الوزير إلى موقع بلاده الجغرافي كنقطة ربط بين أفريقيا وأوروبا.

 

وهكذا، تواصل أمريكا استعمال كل الوسائل والأساليب من أجل أن تفرض على قادة الجزائر الارتماء طوعا أو كرها في الحضن الأمريكي، فهي تصنع الإرهاب في منطقة الساحل، وتدير الانقلابات العسكرية وتقوض أمن الجنوب الجزائري، وتشعل فتيل الأزمات في المناطق المجاورة على غرار ليبيا والسودان، بل تحرك ورقة الصحراء الغربية من حين إلى آخر، وتشهر في وجهها تهم انتهاك حقوق الإنسان، فيما يطالب أعضاء في الكونغرس بفرض عقوبات على الجزائر لاستمرارها بتعزيز العلاقات مع روسيا، لا سيما في مجال الدفاع، وتتحدث تقارير إعلامية عن احتمال اتجاه شركتين من أهم الشركات الأمريكية في مجال النفط، وهما شيفرون وإيكسون موبيل، إلى الجزائر للتنقيب عن النفط... ثم بعد هذا كله تزعم بأنها لا تفرض على شركائها أي خيار، وإنما تترك الشعوب لتقرر مصيرها انتصارا لقيم الديمقراطية... فعن أي ديمقراطية يتحدث هؤلاء المجرمون؟

 

خاتمة

 

لقد بات واضحا، أن انقلاب النيجر، ليس بدعا من الانقلابات العسكرية التي تتقن أمريكا فنون توظيفها لصالحها، نظرا لقربها الدائم من قادة جيوش هذه الدول، وهي تحاول من خلاله الآن فرض معادلة سياسية جديدة في أفريقيا، عنوانها التفرد الأمريكي بالقيادة، وقد تتبعها رسائل أخرى من بلدان مجاورة أو يتبعها انقلاب على الانقلاب، ما دام إيصال الجنرالات في هذه الدول الكرتونية إلى الحكم صار أيسر من إيصال الماء والكهرباء لمستحقيهما من الشعوب المضطهدة، التي يتداول الاستعمار على حكمها واغتصاب سلطانها عبر شراء الذمم.

 

أما بريطانيا التي يعول عليها بعض حكام أفريقيا، فهي في انحسار وتراجع هي الأخرى، وهو ما جرأ عليها فرنسا في تونس، رغم هزائمها في مناطق أخرى، ولذلك فالتحرر من الاستعمار لا يكون بالتخلص من مستعمر واستبدال آخر به، فملة الكفر واحدة، ولكنه يكون بالتخلص من النظام الرأسمالي الجاثم على صدورنا، وإقامة دولة الإسلام دولة الخلافة الراشدة. فهلا وعى المخلصون على طبيعة الدور الجيوسياسي الذي يمكن أن تلعبه الجزائر في مشروع التحرر من الاستعمار وتركيز المشروع الحضاري الإسلامي؟ وهلا سارع أهل القوة والمنعة إلى حسن استغلال هذه اللحظة التاريخية؟

 

عندما كان للمسلمين دولة، كانت أمريكا في عهد جورج واشنطن تدفع الجزية لهم في الجزائر بمقتضى اتفاقية 1796، أما اليوم، فقد أصبحت أمريكا تعربد في البلاد الإسلامية، بل صارت بلاد المسلمين ساحة صراع بين المستعمرين، وصار أبناؤهم وقودا لنار هذا الصراع، فيما تذهب ثرواتهم للمستعمر، ويبقون يعانون الفقر والحرمان وتفشي الأمراض، بينما يموت الفارون من جور بلادهم وتدفن أحلامهم في أعماق البحار!

 

ولذلك، لا خلاص للمسلمين في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل الذين يكتوون بنار الصراع الدولي على بلادهم، إلا بتحرك المسلمين في المنطقة لإقامة حكم الإسلام في بلادهم وتوحيدها ومن ثم التحرك نحو بلاد أفريقيا الأخرى لتحريرها بلدا بلدا من ربقة المستعمر. فوجب على المسلمين نصرة العاملين من أبنائهم المخلصين الواعين والساعين لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.

 

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

م. وسام الأطرش – ولاية تونس

 

آخر الإضافات