سياسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

ابتلاء أمتنا شديد

وأجرها عظيم: نصر وتمكين بإذن الله

 

 

منذ قيام دولة الإسلام الأولى في يثرب والمسلمون يعيشون في ظلّ الحكم بما أنزل الله يحكمهم خليفة يتقى به ويقاتل من ورائه حتى حلت بأمتنا المصيبة العظمى بإلغاء الخلافة على يد مجرم العصر مصطفى كمال وأعوانه.

 

فانفرط عقد الأمة وبدأت معاناتها ورحلة ابتلائها بهدم دولتها الحامية:

 

قطّع الكفار المستعمرون أوصال الأمة إلى قطع صغيرة وزرعوا النعرات والعصبيات الوطنية والقومية النتنة بينها فزادت بفعلها الشنيع هذا المسلمين فرقة ليسهل ترويضهم وسحقهم على يد حكام عملاء نُصِّبوا على رقابهم، تراهم يهرولون لتطبيق أوامر أسيادهم، كيف لا وهم يحملون الولاء لهذه الدول الكبرى الغاصبة قبل ولائهم لله عز وجل ولرسوله ﷺ ولشعوبهم المسلمة فهي التي وضعتهم في الحكم وبيدها بقاؤهم فيه.

 

ثمّ اشتدّ الكرب بالأمة الإسلامية بعد التفريط في فلسطين وزرع الكيان الطفيلي المسخ - كيان يهود - في خاصرتها ليزيد تشتتها ويتواصل نزفها بعد تجبّر كيان يهود وتجرئه على قتل الشيب والشباب، الحرائر والأطفال، وانتهاك المقدّسات واقتحام جنوده الأنجاس المسجد الأقصى، وتكرّر ذلك لعقود ولم نر أو نسمع من حكام المسلمين سوى تنديدات عقيمة لا ترتقي حتى لحفظ ماء الوجه، ومؤخرا سقطت عنهم جميعا ورقة التوت بعد تطبيع هؤلاء الخونة مع كيان يهود وهو في أوج عنته واستقوائه على أهلنا في الأرض المباركة فلسطين.

 

ومثلما يعاني المسلمون في فلسطين من جشع يهود وإجرامهم يعاني المسلمون الإيغور من تغوّل الصين في تركستان الشرقية، ويعاني إخواننا في كشمير من اضطهاد الهندوس، وفي سيريلانكا ينكّل بهم أحياء وأمواتا، وفي أراكان المسلمة يقتّل مسلمو الروهينجا، وفي سوريا أوغل بشار المجرم في دماء إخواننا وانتهك أعراضهم واعتقلهم وعذّبهم حتى تكاد جدران السجون تتصدّع من هول ما يفعل بمن قال ربي الله.

 

أما في أقطار أخرى من بلاد المسلمين فقد مارس الغرب الكافر سياسة تجويع الشعوب وتفقيرها فارتهنت الحكومات العميلة لصندوق النقد والبنك الدوليين، وها هي تعاني الويلات من تعاملها بالربا الذي حرّمه الله وأغلظ في ذلك في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾.

 

ابتلاء أمتنا كبير وألمه شديد، فقد غيّب الكافر المستعمر بمساعدة عملائه الرويبضات الإسلام عن الحياة فغيّر أحكامه في الحكم والسياسة والاقتصاد والمعاملات والتعليم وتنظيم العلاقات فجعلها خاضعة لأهواء البشر وزاغ بها عن الفطرة السليمة حتى صار يشرّع لكل ما يهدم هويّة المسلمين ويفتح الباب لكلّ رذيلة تسقطهم في مستنقعات الفواحش والشذوذ، مثل محاولاته لتمرير اتفاقياته الهدّامة لاقتحام آخر حصوننا "الأسرة المسلمة" فشوّه دور المرأة ربة البيت المربّية المؤدِّبة التي من رحمها سيخرج صلاح الدين ومحمد الفاتح وقطز وخالد بن الوليد، فللحيلولة دون ذلك عمد الغرب الكافر وأذنابه من بني جلدتنا إلى إشغالها بحقوق وهمية وأدخلها في سباق مضنٍ مع الرجل الذي هو أب يسندها وأخ يحنو عليها وزوج يكون لها سكنا في مودة ورحمة.

 

فسحقا لاتفاقياتكم النجسة ولقوانينكم الضالة المضلة...

 

اشتدت نكبتنا منذ أن سكت المسلمون عن غياب الحكم بما أنزل الله لأكثر من قرن من الزمان فزاد التصاقنا بالأرض وكان السبب الرئيس في توالي المؤامرات علينا وعلى بلادنا وخيراتها واستئساد أراذل القوم علينا فتجرؤوا على الإساءة لنبينا ﷺ والاعتداء على مقدساتنا دون أن يرفّ لهم جفن. وما زاد في تثبيط أبناء أمتنا، علماء السلاطين الذين باعوا آخرتهم بعرض من الدنيا قليل، فتمسّحوا على عتبة الحكام الظلمة الفجرة وأفتوا بما يوافق أهواء هؤلاء العملاء الخونة فدلّسوا ولبّسوا على المسلمين دينهم ثمّ كانوا لجاما على أفواههم في سبيل تثبيت كراسي الحكام المعوجّة التي ما قامت إلا على جماجم المسلمين. فويل لهم من ربّ العالمين ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

 

ووقوفا عند هذا الحديث القدسي: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: «لَمَّا قَضَى اللَّهُ الخَلْقَ، كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي» رواه البخاري ومسلم. وكما ورد في جزء من شرح الحديث: أن رحمة الله تعالى سبقت غضبه؛ لأن رحمته تعالى تدرك عباده من غير حق سابق لهم، بل تفضلا منه سبحانه وتعالى. وأما الغضب فهي صفة له سبحانه وتعالى، لا يلحق أثرها بالعباد إلا إذا صدر منهم سبب استحقاق الغضب والعقوبة، من كفر وعصيان؛ فلذا رحمته تعالى في هذا الوجود سابقة على غضبه سبحانه وتعالى.

 

وما من معصية أعظم وما من ذنب أكبر من الحكم بغير ما أنزل الله ولكن رحمة الله سبقت غضبه، ولعلّ رحمة الله بهذه الأمة - نحسبها والله أعلم - وجود حزب التحرير الرائد الذي لا يكذب أهله بين ظهراني هذه الأمة الكريمة، الذي ما فتئ شبابه المخلصون يصلون ليلهم بنهارهم، من أجل استئناف الحياة الإسلامية، بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة مضحّين في سبيل ذلك بالمال والنفس والولد، لا يخافون في الله لومة لائم، يسيرون خلف قيادة أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة حفظه الله، ينير لهم الطريق ويشحذ هممهم حتى أثمر جهدهم وصارت الأمة تتطلع للعيش في ظلّ الخلافة بعد أن لفظت أنظمة الجور التي طبّقت عليها فما زادتها إلا رهقا وضنكا.. ولكن بفضل من الله العزيز الحكيم انكشف السراب لأبناء الأمة وصاروا يتطلّعون للجهاد وينادون بتوحيد الصفّ واسترجاع جيوش الأمة لحضنها وتصويب بوصلة أسلحتها نحو العدو الحقيقي الذي اغتصب الأرض وانتهك العرض.

 

ورغم كل ما تعانيه الأمة وما وصلت له من هوان ورغم كل ما يكيده الأعداء لها، تبقى خير أمة أخرجت للناس، وعزّها بعزّ هذا الدين العظيم الباقي إلى يوم يرث الله الأرض ومن عليها، هذا الدين الذي من يبتغي غيره فلن يقبل منه تصديقا لقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.

 

فبالرجوع لتطبيق الإسلام واتخاذه منهج حياة ستتعافى أمتنا وسينجلي ليل هذا الابتلاء وسيخلّصنا وحي السماء كما خلّص الأولين فأخرجهم من ظلمات الكفر وجهله إلى نور الإسلام وعدله، ونعيد سيرة العزّ والمجد ونكون من جديد قادة للعالم ننشر رسالة الإسلام بالدعوة والجهاد وهو خير جزاء بعد أصعب ابتلاء؛ نصر وتمكين بإذن الله.

 

أبشري أمة الإسلام، ابتلاؤك شديد ومخاضك عسير لأن جزاءك كبير ومولودك عظيم؛ خلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة يُعزّ بها الإسلام وأهله ويُذّل بها الكفر وأهله. قال رسول الله ﷺ: «بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ، وَالدِّينِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ، فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ» رواه الإمام أحمد.

 

وصدق أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة فقد كفّى ووفّى في كلمته في الذكرى الخامسة والثمانين لهدم الخلافة إذ قال حفظه الله: "نعم الخلافةُ هي البضاعةُ والصناعة، هي التي تقضي على دولة يهود وتعيد فلسطين كاملة إلى ديار الإسلام، هي التي تقضي على سلطان الهندوس في كشمير، وحكم الروس في الشيشان وكل القفقاس وتتارستان، هي التي تعيد القرم إلى أصلها، وكلَّ بلاد الإسلام إلى أصلها وفصلها. هي التي تحرر البلاد والعباد من نفوذ الكفر وعملائه، وبطش زبانيته وأزلامه. هي التي تمنع تمزُّق العراق والسودان، وتعيد اللحمة إلى الصومال، وتزيل الحدود والسدود التي رسمها الكفار المستعمرون من أطراف المحيط الهادي حيث إندونيسيا وماليزيا إلى شواطئ الأطلسي حيث المغرب والأندلس. إنها التي تنشر العدل والخير، وتُعز الإسلام والمسلمين، وتقطع دابر الظلم والشر، وتُذل الكفر والكافرين".

 

ألا تستحق هذه الدولة العظيمة التي فيها خلاص أمتنا أن نعمل لإقامتها ونضحي بالغالي والنفيس من أجل العيش تحت مظلتها؟!!

 

فالكرب اشتدّ والفرج قريب بإذن الله: نصر من الله وفتح قريب.. فالتحقوا بقوافل العاملين لتنالوا أجر العمل لإقامتها!

 

﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

ابتهال بن الحاج علي

 

آخر الإضافات