الأجوبة الفقهية

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

شيخنا الكريم،

 

هل تحسب كفارة اليمين للطفل الصغير الرضيع الذي لا يأكل الطعام والذي يشرب فقط لبن الأم أم حليب الأطفال الصناعي؟ فإذا تمت الكفارة ولم يتبادر إلى ذهن الشخص هذا السؤال هل يعيد الكفارة للفقير؟

 

وسؤال آخر مرتبط بكفارة اليمين: هل يكفي إطعام المساكين مرة واحدة أم لا بد مرتين (الغداء والعشاء)؟

 

والسؤال الثالث: شخص يسكن في أوروبا وأعطى كفارة اليمين للفقراء في أوكرانيا ونظر مقدار كفارة اليمين في أوكرانيا. هل كان لزاما عليه أن ينظر ما هو مقدار الكفارة في أوروبا أم يكفي النظر لمقدار المبلغ في البلد الذي يرسل إليه؟

 

 

الجواب:

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

1- الأصل في كفارة اليمين قوله تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾. وإطعام عشرة مساكين هو واحد من الخيارات المذكورة في الآية: ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾.

 

2- يفهم من الآية الكريمة أن العدد عشرة ملزم، أي لا بد من إطعام عشرة مساكين، فلا يصح إطعام مسكين واحد عشر مرات مثلاً... وقد بينا ذلك في جواب سؤال سابق في 29/04/2022م وقد جاء فيه ما يلي:

 

[... الرأي الذي أرجحه أنه إذا ورد النص بعدد معين من المساكين مثل: ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ﴾، ﴿فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً﴾، ففي هذه الحالة يجب الالتزام بالعدد المذكور (عشرة، ستين) سواء أكان الإعطاء بالعين أم بالقيمة وذلك لأن العدد مقصود، فهو قيد لازم، وأما إذا طلب النص إعطاء مساكين دون ذكر عدد فيجوز أن يعطى مسكين واحد لعدم وجود القيد بالعدد، ويجوز أن يعطى أكثر من مسكين، وذلك كقوله تعالى بشأن الزكاة: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾، فيجوز للمزكي أن يعطي زكاته مسكيناً واحداً ويجوز أن يقسمها على مساكين كثر، لأنه لم يرد عدد معين في الآية، بل ورد لفظ "المساكين" هكذا دون عدد... ولكنه يراعي في ذلك أنهم يستحقون الزكاة لوصف المسكنة...].

 

3- وعليه فتمام الكفارة يوجب إطعام عشرة مساكين من أوسط الطعام، وهذا يعني أن المسكين الذي يجزئ في الكفارة هو الذي يستطيع أكل الطعام الوسط، وأما الطفل الرضيع فلا أرجح دخوله في هذا المفهوم، ولذلك فإنه لا يحسب ضمن المساكين الذي يُطعمون في كفارة اليمين، فلو قام رجل وأرسل طعاماً لعائلة مسكينة مكونة من عشرة أفراد فيهم طفل رضيع فإن هذه الكفارة غير مكتملة فهو إطعام لتسعة وليس لعشرة، لأن الرضيع لا يدخل في مفهوم من يُطعمون، هذا ما أرجحه، وهو الأطيب للنفس.. لذلك عليه أن يتمها بإطعام مسكين آخر إضافة إلى من أطعمهم حتى تتم الكفارة عشرة مساكين. وهذا بخلاف الطفل الذي يأكل الطعام كالصبي المميز ونحوه، فهؤلاء يجزئون في الكفارة، فلو كان في العائلة المسكينة أطفال مثل هؤلاء فتصح الكفارة بإطعامهم لأنهم يدخلون في مفهوم من يُطعمون.

 

4- اختلف الفقهاء في تحديد مقدار الطعام لكل مسكين في كفارة اليمين، وفي جنس الطعام الذي تكون منه الكفارة... إلخ، وأنقل شيئاً حول هذا الأمر من الموسوعة الفقهية الكويتية:

 

[... «ثانياً: من حيث المقدار»

 

- ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يشترط أن يعطى كلّ مسكينٍ مداً واحداً من غالب قوت البلد، ولا يجوز إخراج قيمة الطّعام عملاً بنصّ الآية: ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ﴾. ويشترط أن لا ينقص الحصص، فلا يجوز أن يعطي عشرين مسكيناً عشرة أمدادٍ لكلّ واحدٍ منهم نصف مدٍّ إلا أن يكمل لعشرةٍ منهم ما نقص. كما يشترط أن يكون الإطعام للعشرة فلا يصح التّلفيق، فلو أطعم خمسةً وكسا خمسةً لا يجزئ. ويشترط أيضاً أن يعطي المدّ لكلّ واحدٍ من العشرة على وجه التّمليك، ولا يجزئ عند المالكيّة تكرر الإعطاء لواحدٍ، فلو أطعم واحداً عشرة أمدادٍ في عشرة أيّامٍ لا يجزئه. وذهب الحنفيّة إلى أنّه يشترط أن يعطى لكلّ مسكينٍ مدّان أي نصف صاعٍ من القمح أو صاع من تمرٍ أو شعيرٍ أو قيمة ذلك من النقود أو من عروض التّجارة، لأنّ المقصود دفع الحاجة، وذلك يمكن تحققه بالقيمة.

 

أمّا مقدار طعام الإباحة عندهم: فأكلتان مشبعتان، أي يشترط أن يغدّي كلّ مسكينٍ ويعشّيه، وكذلك إذا عشّاهم وسحّرهم، أو غدّاهم غداءين ونحو ذلك، لأنّهما أكلتان مقصودتان.

أمّا إذا غدّى واحداً، وعشّى واحداً آخر لم يصحّ، لأنّه يكون قد فرّق طعام العشرة على عشرين، وهو لا يصح.

 

كذلك يشترطون أن لا يعطي الكفّارة كلّها لمسكينٍ واحدٍ في يومٍ واحدٍ دفعةً واحدةً أو متفرّقةً على عشر مرّاتٍ. أمّا لو أطعم مسكيناً واحداً عشرة أيّامٍ غداءً وعشاءً، أو أعطى مسكيناً واحداً عشرة أيّامٍ كلّ يومٍ نصف صاعٍ جاز لأنّ تجدد الحاجة كلّ يومٍ يجعله كمسكينٍ آخر فكأنّه صرف القيمة لعشرة مساكين.

 

«ثالثاً: من حيث الجنس»

 

- ذهب الحنفيّة إلى أنّ المجزئ في الإطعام هو البر، أو الشّعير، أو التّمر، دقيق كلّ واحدٍ كأصله كيلاً أي نصف صاعٍ في دقيق البرّ وصاع في دقيق الشّعير، وقيل: المعتبر في الدّقيق القيمة، لا الكيل، ويجوز إخراج القيمة من غير هذه الأصناف. وذهب المالكيّة إلى أنّ الإطعام يكون من القمح إن اقتاتوه، فلا يجزئ غيره من شعيرٍ أو ذرةٍ أو غيرهما، فإن اقتاتوا غير القمح فما يعدله شبعاً لا كيلاً. وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الإطعام يكون من الحبوب والثّمار الّتي تجب فيها الزّكاة، لأنّ الأبدان تقوم بها، ويشترط أن يكون من غالب قوت البلد. وذهب الحنابلة إلى اشتراط أن يكون الإطعام من البرّ والشّعير ودقيقهما والتّمر والزّبيب ولا يجزئ غير ذلك ولو كان قوت بلده إلا إذا عدمت تلك الأقوات.] انتهى.

 

5- الذي أرجحه إذا حصل الإطعام للمساكين العشرة أن يكون وجبتين ليصدق عليه مدلول الآية ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾، وإطعام الأهل يكون في اليوم مرتين، ليصدق عليه أنه إطعام، كأن يكون غداءً وعشاء، وإلا فلا يكون قد أتم إطعام أهله، وكذلك بالنسبة للمساكين في الكفارة لا بد أن يطعمهم مرتين في اليوم حتى تكتمل الكفارة، فلو اكتفي بالغداء دون العشاء أو بالعشاء دون الغداء لم يجزئ، وأيضاً فقد جعل الشرع الطعام في رمضان وجبتين: وجبة السحور ووجبة الإفطار، فتمام الإطعام يكون بهما أو بمثلهما.

 

6- أما بالنسبة لتساؤلك: (الشخص يسكن في أوروبا وأعطى كفارة اليمين للفقراء في أوكرانيا ونظر مقدار كفارة اليمين في أوكرانيا. هل كان لزاما عليه أن ينظر ما هو مقدار الكفارة في أوروبا أم يكفي النظر لمقدار المبلغ في البلد الذي يرسل إليه؟)، فالجواب على ذلك أن الذي أطمئن إليه أن يكون الإخراج وفق الطعام الوسط في البلد الذي فيه الشخص المعطي للكفارة، وذلك لأن الآية الكريمة تقول: ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾، وهذا يُشعر بأن الإطعام يكون وفق المكان الذي يوجد فيه الشخص لأن المطلوب هو أن يطعم عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله... فإذا أطعم مثلاً في أوكرانيا بعشرة دولارات فهذا قد يكون كافياً لإطعام عشرة مساكين هناك، ولكنه لا يكفي لإطعام عشرة مساكين وفق الوضع في أوروبا، بل عليه مثلاً أن يطعم بمائة دولار ليكون قد أطعم من أوسط ما يطعم أهله... لذلك أرى أن الأفضل والأحوط أن يخرج بمقدار إطعام عشرة مساكين في البلد الذي يقيم فيه..

 

هذا ما أرجحه والله أعلم وأحكم.

 

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

01 ذو الحجة 1444هـ

الموافق 2023/06/19م

آخر الإضافات