الأجوبة الفقهية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخنا العزيز.

 

أسأل الله أن يقويك وأن يمدك بصحة دائمة وعمر مديد وأن يجعلك من شهود عودة الخلافة وأن تقودنا، آمين.

 

عندي سؤال حول مشروع الدستور للحزب، ففي المادة "7" البند "و" يقول:

 

[تنفذ الدولة باقي الأحكام الشرعية وسائر أمور الشريعة الإسلامية من معاملات وعقوبات وبينات ونظم حكم واقتصاد وغير ذلك على الجميع، ويكون تنفيذها على المسلمين وعلى غير المسلمين على السواء، وتنفذ كذلك على المعاهدين والمستأمنين وكل من هو تحت سلطان الإسلام كما تنفذ على أفراد الرعية، إلا السفراء والرسل ومن شاكلهم فإن لهم الحصانة الدبلوماسية.].

 

سؤالي هو حول النقطة المتعلقة بالسفراء، فالواقع أن هناك بعض السفراء (الرسل) المؤقتين الذين يمكثون مدة معينة من الوقت ثم يرجعون إلى بلادهم، وأن هناك سفراء يقيمون في دولة الخلافة بشكل دائم، فهل هذه المادة تنطبق على كلا الصنفين من السفراء؟

 

وهل إذا قام أحد هذين الصنفين بجريمة أو قام بعمل غير مشروع خارج صلاحيته كسفير، فهل تتم محاكمتهم وعقوبتهم وفق دولة الخلافة؟ أم أن السفير المؤقت والسفير الدائم تتم معاملتهما بشكل مختلف في هذه المسألة؟

 

جزاكم الله خيراً.

 

من: سيف الدين عبد الله

 

الجواب:

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

بارك الله فيك على دعائك الطيب لنا، ونحن نسأل الله لك الخير.

 

1- بالنسبة لسؤالك حول السفراء الدائمين والسفراء المؤقتين فإنه لا فرق من ناحية شرعية بينهما، فما دام الشخص ينطبق عليه مدلول كلمة (رسول) فإنه يتمتع بالحصانة الدبلوماسية أثناء مكوثه في دولة الخلافة من غير فرق... وسابقاً زمن النبي ﷺ والصحابة والعصور اللاحقة لم يكن هناك سفراء دائمون مستقرون، بل كان الرسل يرسلون لتبليغ رسالة ثم يرجعون إلى بلدهم، أي كانوا وفق تعبيرك (سفراء مؤقتين/رسلاً مؤقتين)... ثم استحدث أمر السفراء الدائمين والسفارات في العالم جراء تعقد العلاقات ولزوم التواصل الدائم بين الدول ووجود رعايا لدولة السفارة في تلك الدول، فصارت الدول تقبل بفتح سفارات دائمة لدول أخرى في أراضيها وتقبل اعتماد سفراء مقيمين فيها لتلك الدول... أما في السابق فكان السفير أو الرسول يذهب لمرة واحدة لأداء رسالة معينة... وهذا هو الذي يفهم من الحديث الشريف بشأن الرسل، فقد روى أحمد عن ابن مسعود قال: «جَاءَ ابْنُ النَّوَّاحَةِ وَابْنُ أُثَالٍ، رَسُولاَ مُسَيْلِمَةَ إِلَى النَّبِيِّ ، فَقَالَ لَهُمَا: أَتَشْهَدَانِ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالاَ: نَشْهَدُ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ : آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، لَوْ كُنْتُ قَاتِلاً رَسُولاً لَقَتَلْتُكُمَا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ: فَمَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الرُّسُلَ لاَ تُقْتَلُ» أخرجه أحمد وحسنه الهيثمي، وواضح من هذا الحديث أن الكلام هو حول رسولين أرسلا من مسيلمة الكذاب لمرة واحدة.

 

2- أما بالنسبة لاستفسارك حول عقوبة السفراء والرسل فجوابه موجود في شرح بند "و" من المادة "7" في كتاب مقدمة الدستور وهذا نصه: [وأما الفقرة (و) فإنه بالنسبة لتنفيذ جميع أحكام الإسلام دليله ما سبق من أن الكافر مكلف بالأصول، ومكلف بالفروع، ومطالب بجميع أحكام الإسلام. وهذا عام يشمل الذمي وغير الذمي ممن يعيش تحت سلطان الإسلام. فجميع الكفار الذين يدخلون دار الإسلام، سواء أكانوا ذميين أم معاهدين أم مستأمنين، يجب أن تطبق عليهم أحكام الإسلام، ما عدا العقائد، وما عدا كل فعل يعتبر من العقائد، وكل فعل أقرهم الرسول ﷺ عليه. إلا أنه يستثنى من ذلك السفراء، ومن هم من قبيلهم، فإنه لا تطبق عليهم أحكام العقوبات، ويعطون ما يسمى بالحصانة الدبلوماسية، وذلك لما روى أحمد عن ابن مسعود قال: «جَاءَ ابْنُ النَّوَّاحَةِ وَابْنُ أُثَالٍ، رَسُولاَ مُسَيْلِمَةَ إِلَى النَّبِيِّ ، فَقَالَ لَهُمَا: أَتَشْهَدَانِ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالاَ: نَشْهَدُ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ : آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، لَوْ كُنْتُ قَاتِلاً رَسُولاً لَقَتَلْتُكُمَا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ: فَمَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الرُّسُلَ لاَ تُقْتَلُ» أخرجه أحمد وحسنه الهيثمي. فهذا الحديث يدل على تحريم قتل الرسل الذين يأتون من الكفار، ومثل القتل سائر العقوبات. إلا أن هذا لمن تنطبق عليه صفة الرسول، كالسفير والقائم بالأعمال ومن على شاكلتهما. أما من لا تنطبق عليه صفة الرسول كالقنصل وكالمعتمد التجاري ونحوهما فإنه لا حصانة لمثلهما، لأنه لا تنطبق عليه صفة الرسول.

 

ويرجع في ذلك إلى العرف الدولي لأنه لفظ اصطلاحي يرجع في معرفة واقعه إلى العرف وهو من باب تحقيق المناط، أي معرفة هل هذا يعتبر من الرسل أم لا.] انتهى نقل الشرح من كتاب مقدمة الدستور.

 

فعدم جواز إيقاع عقوبة القتل وسائر العقوبات ينطبق على السفير الدائم وعلى السفير والرسول المؤقت ما دام واقع "الرسول" متحققاً فيهما، فلا فرق في موضوع عدم إيقاع العقوبة بين السفير الدائم والسفير المؤقت، فكلاهما رسول وتنطبق عليه أحكام الرسول في مسألة العقوبة.

 

أما عن الجزء الأخير من سؤالك: (وهل إذا قام أحد هذين الصنفين بجريمة أو قام بعمل غير مشروع خارج صلاحيته كسفير، فهل تتم محاكمتهم وعقوبتهم وفق دولة الخلافة؟ أم أن السفير المؤقت والسفير الدائم تتم معاملتهما بشكل مختلف في هذه المسألة؟)، إننا لم نفصّل واقع العقوبات التي تدخل في الحصانة وتلك الأخرى التي لا تدخل، وسنفصّل هذا في اللائحة التنفيذية لمواد الدستور التي بدأنا بها، ونسأل الله العون في تمامها في الوقت المناسب إن شاء الله.

 

آمل أن يكون في ذلك الكفاية، والله أعلم وأحكم.

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

06 صفر الخير 1445هـ

الموافق 2023/8/22م

آخر الإضافات