ارشيف ولاية العراق
بسم الله الرحمن الرحيم

مجلس الحكم في العراق يعمل على تكريس الاحتلال وتقسيم العراق

 

قبل بضعة أيام ودون ترتيب مسبق غادر الحاكم الأمريكي (بول بريمر) العراق، ألغى ارتباطاته المسبقة، متوجهاً إلى البيت الأبيض.  حيث عقد عدة اجتماعات مع كبار قادة الولايات المتحدة، بما فيهم الرئيس الأمريكي (جورج بوش) نفسه.  وقد سبق هذه الزيارة ورافقها تصريحات بعض كبار المسؤولين، تتعلق بسوء أداء مجلس الحكم العراقي، مثل: إن الإدارة الأمريكية تشعر بالإحباط من عمل المجلس، وأن أعضاء المجلس لا يهتمون إلا بأمورهم الخاصة.
وعندما عاد (بريمر) يوم الجمعة 14/11/2003م، دعا مجلس الحكم للاجتماع به عاجلاً.  فحضر عدد من الأعضاء ممن بقي داخل العراق، حيث يقيم بعضهم خارج العراق أكثر مما يقيم داخله.  وقد أبلغهم سيّدهم الأمريكي خطة حكومته الجديدة لإدارة العراق.  وبعد أن تلا عليهم أوامره، خرج رئيس المجلس (جلال طالباني) ، في مؤتمر صحفي يعلن فيه ما تمَّ الاتفاق عليه بينه (بوصفه رئيس المجلس) وبين بريمر (بوصفه رئيس سلطة الاحتلال) ، جاء فيه: “التزاماً بالثوابت الوطنية للشعب العراقي، واتساقاً مع ما سعى إليه مجلس الحكم منذ تشكيله، ومن أجل الإسراع في استعادة سيادة العراق واستقلاله، فقد قرر مجلس الحكم اتخاذ الإجراءات التالية:
1 -  صياغة قانون لإدارة الدولة للفترة الانتقالية قبل نهاية شباط 2004م، يتضمن إجراءاتٍ لانتخاب مجلس انتقالي ليستكمل انتخابه قبل نهاية أيار 2004م، ويُعبر هذا القانون عن مبادئ يوجد عليها اتفاق عام في الشعب العراقي وهي:
أ -  احترام حقوق الإنسان واحترام الحريات الأساسية بما فيها حرية العقيدة، والممارسة الدينية، والمساواة بين جميع المواطنين.
ب -  تأكيد الفصل بين السلطات الثلاث.
ج -  إدخال درجة من اللامركزية في إدارة المحافظات مع مراعاة الوضع الراهن في كردستان حالياً.
د -  إقرار مبدأ السيطرة المدنية على قوى الأمن والجيش.
ح -  إقامة نظام ديموقراطي فدرالي تعددي موحد يحترم الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي، مع ضمان حقوق الأديان والطوائف الأخرى.
يتضمن هذا القانون جدولاً زمنياً لكتابة الدستور الدائم بواسطة مجلس منتخب مباشرةً من الشعب العراقي، وانتخاب حكومة جديدة طبقاً لأحكام الدستور الجديد قبل نهاية عام 2005م.
2 -  يتولى المجلس الانتقالي انتخاب حكومة عراقية مؤقتة قبل نهاية حزيران 2004م، تمارس السلطة السياسية وتكون ذات سيادة ومعترفاً بها دولياً، وبتسليمها السلطة تنتهي حالة الاحتلال وتُحلُّ حينئذٍ سلطة الائتلاف وينتهي دور مجلس الحكم.
3 -  يستمر عمل مجلس الحكم الانتقالي والحكومة الجديدة المنبثقة منه لحين إقرار الدستور الدائم، وتُنقل السلطة إلى حكومة منتخبة وفقاً لأحكامه.
إن حزب التحرير، (وهو حزب سياسي تبنى الإسلام فكرةً وطريقةً) ، قد أخذ على عاتقه فضح المؤامرات والمتآمرين، وكشف الخطط السياسية للدول الاستعمارية، وتنبيه الأمة لما يُحاك لها من قبل أعدائها وعملائهم، يبين للأمة الإسلامية بعامة وللمسلمين في العراق بخاصة، أن هذه الخطة الإجرامية التي أملاها المحتل على صنيعته (مجلس الحكم) ، ليست سوى محاولة مكشوفة لتكريس الاحتلال والعمل على تقسيم العراق، وإضفاء الشرعية على جريمته هذه بأيدي بعض أبناء العراق وإمضائهم.
إن مجلس الحكم بقراراته هذه إنما يمارس أحط أنواع التدليس السياسي على المسلمين، وذلك أن البند (2) الذي ينص على أن يتولى المجلس الانتقالي انتخاب حكومة ذات سيادة ومعترفاً بها دولياً، وإنهاء حالة الاحتلال، لا تعني من قريب أو بعيد خروج المحتل، بل تعني بقاءه واستمرار احتلاله ووجوده العسكري، بموافقة أهل العراق لا بموافقة مجلس الأمن؛ لأن وجود القوات العسكرية المحتلة بموافقة أهل البلاد ورغبتهم، لا توصف بالاحتلال وإنما توصف بوصف آخر، كالتعاون العسكري، أو الدفاع المشترك.
وأما ما قاله الطالباني - رداً على سؤال عن مصير قوات التحالف -: “إذا احتجتم لهم فسوف نطلب منهم البقاء، وإذا رأيتم أن يخرجوا فسنقول لهم وداعاً أيها الأصدقاء، شكراً لكم على مساعدتكم للشعب العراقي” ، فهو كذب صُراح وتلبيس على بسطاء الناس لا على السياسيين الواعين.  فقوات التحالف بقيادة أمريكا لَم تأت لمساعدة الشعب العراقي..!!، بل جاءت لأسباب أخرى لا تمت من قريب ولا من بعيد لمساعدة الشعب العراقي، ولَم تأتِ بطلب من (الطالباني) وأمثاله، وإنما كان هو وأمثاله مطايا لها حين قدومها، وخروجها لا يتوقف على طلبه ولا على طلب مجلس الحكم الهزيل الذي يرأسه.  ويؤكد ذلك ويقطع به تصريحات المسؤولين الأمريكان أنفسهم وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي نفسه حيث قال: “إن قواتنا ستبقى في العراق حتى تقام فيه ديموقراطية ونظام حكم مستقر” ، وما أعلنه وزير دفاعه (دونالد رامسفيلد) يوم 16/11/2003م، أثناء تفقده القوات الأمريكية بجزيرة (أوكيناوا) في اليابان حيث قال: “إن الولايات المتحدة لن تنسحب من العراق في المستقبل القريب، وإن الإجراءات السياسية التي تجري في العراق، تتعلق بطريقة حكم العراق ولا علاقة لها بالجانب العسكري، ولا انتشار القوات العسكرية”، ويؤكده أيضاً ما صرح به (بول بريمر) لإحدى قنوات التلفزة الأمريكية، بعد انتهاء اجتماعه مع مجلس الحكم حيث قال: “إن القوات الأمريكية ستبقى في العراق وستطلب من الحكومة العراقية القادمة الموافقة على بقائها” .
إن المؤامرة على العـراق بخاصة وعلى المسلمين بعامة لَم تنته بعد، بل لا زالت في مراحلها الأولى، وإن أمريكا لا تنوي الخروج من العـراق في المستقبل المنظور، وقد بدأت بالتدخل في العـراق لتمتد منه على بقية أقطار المسـلمين في المنطقة، وهذا ما يصـرح به قادتها وزعماؤها باستمرار، ولو كانت تقصد حقيقةً إعطاء السيادة للعراق ولحكومته، لبدأت بسـحب قواتها منه، ذلك أن خروج القوة العسكرية هو أول خطوة في إعادة السيادة لأهلها، أما بقاؤها وهيمنتها على جميع جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والعسكرية، فذلك أبعد ما يكون عن إعادة السيادة لأهلها، فلا جيش في العراق الآن، والجيش ركن أساسي من أركان السيادة، ولا وزارة دفاع، ولا وزارة إعلام، ولا مجلس أمة، ولا دستور، ولا يوجد فيه أي مظهر من مظاهر السيادة، فالعراق بلد محتل، وكل مقدَّراته بيد الاحتلال، وكل قراراته السياسية إنما يصدرها الاحتلال، إما بشكل مباشر أو غير مباشـر عن طريق عملائه الذين نصبهم مجلس حكم وحكومة لا حول لهم ولا قوة، ولا يملكون من أمر أنفسهم ولا غيرهم شيئاً.
إن الخطة الأمريكية الجديدة في العـراق، هي إجراء انتخـابات وتعيين حكومة، تتولى نيابة عن أهل العراق، توقيع صك بالموافقة على بقاء قوات الاحتلال، حتى تُعطى الصفة الشرعية، كونها موجودةً بموافقة أهل البلد وطلبهم، وهذا سيُبعد الدول الأخرى ومجلس الأمن عن التدخل في الشأن العراقي، ويجعل أمريكا المتصرف الوحيد بكل شـؤون العراق.  وسـتسـتبدل بالمجلس المعين وحكومته، مجلساً وحكومةً منتخبين صورياً، حتى يسبغ على الاحتلال صفة الشرعية؛ لأن الذي أقر بقاءه ووجوده هو حكومة العراق الشرعية المنتخبة..!!، وسيوضع للعراق دستور جديد بإشراف الاحتلال تكرس فيه الفرقة وتمزيق الدولة بحجة الفدرالية، وستشتعل نيران الطائفية، وينشغل المسلمون ببعضهم بدل انشغالهم بإخراج الاحتلال.
إن هذه الخطة هي من أفظع الأعمال السياسية على مستقبل العراق ومسلمي العراق، وعلى كل مسلم غيور أن يعمل جاهداً على استئصالها، وأن لا يشارك في الانتخابات، ولا يكون عضواً في أي مجلس أو حكومة طالما بقي جندي واحد من جنود الاحتلال، وإن فعل ذلك فهو آثم مستحق لعذاب الله تعالى.
إن الذي دعا (جورج بوش) وحكومته لإعلان خطتهم الجديدة، هو اشتداد المقاومة العراقية واتساع فعاليتها كماً ونوعاً ومكاناً، يوماً بعد يوم، وهذا ما أشعره وحكومته بالخوف من مصير كمصير والده في الانتخابات الرئاسية القادمة.  سيما وأن الإعداد لها قد بدأ، وتشير استطلاعات الرأي العام الأمريكي إلى هبوط قياسي في شعبيته، حيث إن أكثر من نصف الشعب الأمريكي غير راضٍ عن إدارته، وغير مقتنع بالأسباب التي ساقها لتبرير عدوانه على العراق.  وقد تناقلت وكالات الأنباء ما مفاده أن: المخابرات المركزية سلمت للرئيس الأمريكي تقريراً عن تعاظم التعاطف الشعبي مع المقاومة، وتعاظم الغضب عند العراقيين بشكل عام على الانفلات الأمني المروع، وسوء الأوضاع الاقتصادية، وتردي الخدمات الأساسية رغم مرور أشهر عديدة على الاحتلال.
إن الإدارة الأمريكية وهي بحاجة إلى نصر ترفع به شعبية رئيسها لَم تجد خيراً من طالباني ومجلس الحكم لتعلن من خلالهما عن نصر سياسي مدوٍّ في العراق، وأنَّ العراق قد بدأ أولى خطوات السير في الطريق الديموقراطي والاستقرار الأمني، علَّ ذلك يرفع من شعبيته بعد تردي الروح المعنوية لقواته في العراق، وازدياد عدد الجنود العائدين إلى بلادهم في النعوش.
إن الأمة الإسلامية -والعراق جزء منها- تتطلع إلى وحدتها في دولة خـلافة إسلامية راشدة على منهاج النبوة، لا في زيادة تمزيقها تحت مسميات الفدرالية واللامركزية، وأن المسلمين في العراق أكراداً وعرباً وتركماناً، سنةً وشيعةً، يرفضون الاحتلال، ويرفضون كل مجلس وحكومة يتم نصبها تحت حِراب الاحتلال، ولا يُقرُّون لمجلس الحكم هذا أو غيره من المجالس بأية شرعية، ويعتبرون ما يصدر من قرارات واتفاقيات في ظل الاحتلال باطلة ولا قيمة لها وغير ملزمة لهم.  ويذكِّرون طالباني وغيره من أزلام المجلس، أن الاحتلال يخرجه المخلصون الغيارى على دينهم وأمتهم، وهم الفائزون بنصر الله تعالى في الدنيا، ورضوانه في الآخرة، وأما الخونة المتآمرون، فلهم ساعة حساب عسير في الدنيا وعذاب مقيم في الآخرة.
{كتب الله لأغلبنَّ أنا ورسُلي إن اللّه لقويٌّ عزيز}

 

24 من شهر رمضان 1424هـ
 
حزب التحرير
 
2003/11/18م
 
ولايـة العـراق

 

 
 

آخر الإضافات