مع الكتاب
فأي الفريقين أحق بالأمن يا أعوان المستعمرين؟
قال تعالى في سورة الأنعام: ﴿وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.
جاء في تفسير الطبري:
(قال أبو جعفر: وهذا جواب إبراهيم لقومه حين خوفوه من آلهتهم أن تمسَّه، لذكره إياها بسوء في نفسه بمكروه، فقال لهم: وكيف أخاف وأرهب ما أشركتموه في عبادتكم ربَّكم فعبدتموه من دونه، وهو لا يضر ولا ينفع؟ ولو كانت تنفع أو تضر، لدفعت عن أنفسها كسرِي إياها وضربي لها بالفأس! وأنتم لا تخافون الله الذي خلقكم ورزقكم، وهو القادر على نفعكم وضركم في إشراككم في عبادتكم إياه ﴿مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً﴾، يعني: ما لم يعطكم على إشراككم إياه في عبادته حُجّة، ولم يضع لكم عليه برهاناً، ولم يجعل لكم به عذراً. ﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ﴾، يقول: أنا أحق بالأمن من عاقبة عبادتي ربّي مخلصاً له العبادة، حنيفاً له ديني، بريئاً من عبادة الأوثان والأصنام، أم أنتم الذين تعبدون من دون الله أصناماً لم يجعل الله لكم بعبادتكم إياها برهاناً ولا حجة؟ ﴿إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، يقول: إن كنتم تعلمون صدق ما أقول، وحقيقة ما أحتجُّ به عليكم، فقولوا وأخبروني: أيُّ الفريقين أحق بالأمن؟) انتهى التفسير
لفتة من واقعنا:
لا شك أن القرآن الكريم صالح لكل زمان ومكان وجاء ليعالج أمراض المجتمعات: كالضلال والانحراف والفساد والفسق والفجور، ليستبدل بها مجتمعات مؤمنة ومستقيمة ومنتجة ومعمرة للأرض وحاملة رسالة ودعوة الله، وبذلك تستقيم الحياة وتصلح الأنفس وتهذب الميول والأهواء.
وما أحوجنا اليوم للالتزام بشرع ربنا على كل الأصعدة والمستويات، على صعيد الفرد والجماعات والدولة! فإذا غاب الإسلام عن الفرد ضل وفسق، وشقي في هذه الحياة الدنيا والعياذ بالله، وصار تائها متخبطا لا يعلم يمينه من شماله ولا ليله من نهاره!
وإذا غاب الإسلام عن سياسة الجماعات والأحزاب والحركات، فسد سيرها، وأصبحت ألعوبة بيد أعداء الأمة وتنازعتها المصالح والأهواء، وصارت تُشترى بأبخس الأثمان، وأضحت تطبق أجندات من يدفع لها ويمدها بالمال أو العتاد أو كليهما، حتى صارت توجه سلاحها ضد المسلمين بحجج كثيرة ومتنوعة. وما أكثر هذه الجماعات والفصائل في زماننا اليوم، وأقرب مثال عليها الفصائل في ثورة الشام وكيف حولت نصرها إلى هزيمة وتقدمها لتقهقر، وأوغلت في دماء المسلمين بدل أن توجه سلاحها وبأسها ضد نظام بشار المجرم كما كانت تفعل في بداية الثورة.
وإذا غاب الإسلام عن دستور الدولة، تحولت الدولة إلى عصابة منظمة، وفساد مبرمج، وحكومات مرتزقة. وذاقت البلاد والعباد الأمرين بهكذا دول وهكذا أنظمة وحكومات، ولا يحتاج المرء للتدليل على هكذا دول وأنظمة وحكومات فبلادنا الإسلامية تعج بها!
والشاهد في الآية أعلاه، هو أن الخوف يجعل الناس تحيد عن طريق الحق والصواب، ويجعل الناس يعبدون ما لا ينفع ولا يضر، بل يجعلهم يلجأون للظالمين والمجرمين والمستعمرين بحثا عن الأمان والاطمئنان والرخاء، فمن الناس والحكام والسياسيين والمفكرين من لجأ لأمريكا ومنهم من لجأ لبريطانيا ومنهم من لجأ لفرنسا وغيرها. ولكن لم يلجأ هؤلاء لله ولدينه وشرعه ودستوره، مع أن الأمان كل الأمان بالله وفي دينه وشرعه ونهج نبيه الذي ارتضاه لنا، والسؤال نفسه المذكور في الآية: ﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.
يا حكام المسلمين: ﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾؟
يا أيها السياسيون والمفكرون وعلماء السلاطين الذين لجأتم إلى أمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرهم: ﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾؟
إن أمريكا والغرب أجمع لا أمان عندهم ولا اطمئنان، بل إنهم سرعان ما يتخلون عن أولئك الذين يحالفونهم والذين يعملون لصالحهم، ويتخلون عنهم عندما ينتهون من استخدامهم لأجل مصالحهم. وأمثلة ذلك كثيرة كصدام والقذافي ومبارك وزين العابدين بن علي وعلي صالح والسلسلة طويلة... وغدا سيخلعون من نعالهم السيسي وبشار وباقي حكام المسلمين... فليعلم الجميع أن الأمان مع الله وحده وأن العاقبة للمؤمنين في الدنيا والآخرة، والدليل على ذلك أن الله عز وجل قد أجاب بنفسه على هذا التساؤل ﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾؟ ولقد أجاب الله عز وجل في الآية التي تليها بقوله سبحانه: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾.
فالتوبة التوبة والرجوع إلى طريق الحق واتباع النبي ﷺ، وإلا فلا أمان ولا نجاة لمن يتمسك بحبال الغرب والمستعمرين ويساندهم.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. فرج ممدوح