نماذج إجمالية من بعض أبرز ما تبناه من أفكار وأحكام وآراء ومفاهيم:
بعض متبنيات حزب التحرير
العقيدة الإسلامية
العقيدة الإسلامية هي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله تعالى.
والإيمان هو التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل، فإذا كان التصديق عن غير دليل لا يكون إيماناً لأنه لا جزم فيه، ولا يكون التصديق جازماً إلا إذا ثبت عن دليل قطعي، لذلك لا بد أن يكون دليل العقيدة قطعياً ولا يجوز أن يكون ظنّياً.
والعقيدة "شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله" والشهادة لا تكون شهادة إلاّ إذا كانت عن علم ويقين وصدق، ولا تكون عن ظن، فالظن لا يفيد العلم واليقين.
والعقيدة الإسلامية هي أساس الإسلام، وأساس وجهة نظره في الحياة، وهي أساس الدولة، وأساس الدستور، وسائر القوانين، وأساس كل ما انبثق عنها، أو بني عليها من أفكار الإسلام وأحكامه ومفاهيمه. فهي قيادة فكرية وهي قاعدة فكرية، وهي عقيدة سياسية، لأن الأفكار والأحكام والآراء والمفاهيم التي انبثقت عنها، أو بنيت عليها تتعلق بشؤون الدنيا ورعايتها، كما تتعلق بشؤون الآخرة، فهي أساس رعاية الشؤون في الدنيا ففيها أحكام البيوع والإجارات والوكالات والكفالات، والملكية والزواج والشركات والإرث، كما فيها أحكام تتعلق ببيان كيفية تنفيذ أحكام رعاية شؤون الدنيا كأحكام إقامة أمير للجماعة وأحكام طريقة نصب الأمير، وطاعته ومحاسبته، وكأحكام الجهاد والصلح والسلم والهدن وكأحكام العقوبات وغيرها، فهي عقيدة رعاية شؤون فتكون عقيدة سياسية لأن السياسة هي رعاية الشؤون، وهي عقيدة لا تنفصل عن النضال والقتال في حمل دعوتها وحمايتها وقيامها في سلطان، وحماية السلطان لها، وبقائه قائماً عليها وعلى تنفيذها، ومحاسبته إن قصّر في تطبيقها وتنفيذها، أو في حملها رسالة إلى العالم.
وهي تقتضي إفراد الله وحده بالعبودية والخضوع والتشريع، ونفي العبودية لغيره من المخلوقات، من أصنام وطواغيت، وأهواء وشهوات، فهو وحده الخالق والمتفرد بالعبادة، وهو الحاكم، والمتصرف والمشرع والهادي والرزاق والمحيي والمميت والناصر، والذي بيده الملك، وهو وحده على كل شيء قدير، لا يشاركه في شيء من ذلك أحد من خلقه.
وقد تعرض الحزب في أفكار العقيدة، وما يتصل بها لمواضيع إثبات وجود الله الخالق وإثبات الحاجة إلى الرسل، وإثبات أن القرآن من عند الله، وأن محمداً رسول الله ﷺ بالدليل العقلي والدليل النقلي من القرآن والحديث المتواتر. ومواضيع القدر، والقضاء والقدر، والرزق، والأجل، والتوكل على الله، والهداية والضلال.
القواعد الشرعية
قاعدة: (لأصل في الأفعال التقيد بالحكم الشرعي) فلا يقام بفعل إلا بعد معرفة حكمه و(الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل التحريم).
فالمسلم مأمور شرعاً بتسيير أعماله جميعها حسب أحكام الشرع، قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء: ٦٥]، وقال: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧]، فالأصل في المسلم أن يتقيد في جميع أفعاله بأحكام الشرع. والحكم هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد. فكل ما لم يرد في خطاب من الشارع لا يكون حكماً شرعياً. وكل فعل وكل شيء في هذه الدنيا قد بيّن الله حكمه. حيث قال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: ٣]، وحـيث قـال: ﴿وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْيانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل: ٨٩].
وخطاب الشارع العام جاء بإباحة الأشياء، والإباحة حكم شرعي، لأن الإباحة هي ما خيّر الشارع فيه الإنسان بين أن يفعله أو أن يتركه. قال تعالى:﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾[البقرة: ٢٩]، وقال: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ [الجاثية: ١٣]، وهذا يعني أن الأشياء التي في السموات والأرض خلقها الله لنا وسخرها فهي مباحة، ولا يحتاج أي شيء منها إلى دليل خاص لأنه داخل في الدليل العام الذي هو الإباحة. وقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً﴾ [البقرة: ١٦٨]، وهذا يعني أن أكل كل شيء حلال فلا يحتاج أكل شيء من الأشياء إلى دليل لأن الدليل العام أباحه. وإنما تحريم أكل شيء كالميتة والخنزير والمتردية والسباع، وتحريم شرب شيء كالخمر فإنه يحتاج إلى دليل محرِّم ويكون استثناء من الدليل العام الذي هو الإباحة.
وقاعدة:(ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).
التعاريف الشرعية
كتعريف الحكم الشرعي بأنه (خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد)، ومثل تعريف الواجب أنه (ما طُلِب طلباً جازماً أو ما أثيب على فعله وعوقب على تركه)، والحرام (ما نهي عنه نهياً جازماً أو ما عوقب على فعله).
التعاريف غير الشرعية
كتعريف الفكر والطريقة العقلية، والطريقة العلمية، وتعريف المجتمع، فإنها تعاريف لواقع.
فالفكر والعقل والإدراك بمعنى واحد وهو: نقل الواقع إلى الدماغ بواسطة الإحساس مع معلومات سابقة يفسر بواسطتها هذا الواقع.
والنتيجة التي يصل إليها الباحث على الطريقة العلمية ليست قطعية وإنما هي ظنية فيها قابلية الخطأ. وقابلية الخطأ في الطريقة العلمية أساس من الأسس حسب ما هو مقرر في البحث العلمي.
وهذه الطريقة هي فرع عن الطريقة العقلية وليست أساساً للتفكير، لأن جعلها أساساً لا يتأتى، إذ هي ليست أصلاً يبنى عليها وإنما هي فرع عن أصل أي عن الطريقة العقلية، ولأن جعلها أساساً يخرج أكثر المعارف والحقائق عن البحث، ويؤدي إلى عدم وجود كثير من المعارف التي تدرس والتي تتضمن حقائق، مع أنها موجودة بالفعل، وملموسة بالحس والواقع.
المبادئ الموجودة في الدنيا
المبادئ الموجودة في الدنيا ثلاثة: الإسلام، والديمقراطية الرأسمالية، والشيوعية.
وهذا المبدأ هو مبدأ كفر يتناقض مع الإسلام لأن الله هو المشرع وهو وحده الذي وضع النظام للبشر، وجعل الدولة جزءاً من أحكام الإسلام، وأوجب أن تعالج جميع شؤون الحياة بالأحكام الشرعية التي أنزلها.
لذلك يحرم على المسلمين أن يعتنقوا المبدأ الرأسمالي أو أن يأخذوا أفكاره أو أنظمته، لأنه مبدأ كفر، وأفكاره أفكار كفر، وأنظمته أنظمة كفر تتناقض مع الإسلام.
رأي الإسلام في الحريات:
ومن أبرز أفكار المبدأ الرأسمالي وجوب المحافظة على الحريات للإنسان، وهذه الحريات هي حرية العقيدة، وحرية الرأي، وحرية الملكية، والحرية الشخصية. وقد نتج عن حرية التملك النظام الاقتصادي الرأسمالي المبني على النفعية، التي أدت إلى الاحتكارات الضخمة، والتي دفعت الدول الغربية الكافرة إلى استعمار الشعوب ونهب ثرواتها.
وهذه الحريات الأربع العامة تتناقض مع أحكام الإسلام، فالمسلم ليس حرّاً في عقيدته فإنه إذا ارتد يستتاب فإن لم يرجع يقتل، قال ﷺ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» [رواه البخاري]، والمسلم ليس حرّاً في رأيه، فما يراه الإسلام يجب أن يراه، ولا يجوز أن يكون للمسلم رأي غير رأي الإسلام.
والمسلم ليس حرّاً في الملك، ولا يصح له أن يتملك إلا ضمن أسباب التملك الشرعية، فليس حراً أن يملك ما شاء بما شاء بل هو مقيد بأسباب التملك فلا يجوز أن يتملك بسواها مطلقاً فلا يصح أن يتملك بالربا، أو بالاحتكار أو ببيع الخمر أو الخنزير، أو ما شاكل ذلك من طرق التملك الممنوعة شرعاً. فإنه لا يجوز أن يملك بأي طريق منها.
والحرية الشخصية لا وجود لها في الإسلام، فليس للمسلم حرية شخصية، بل هو مقيد بما يراه الشرع، فإذا لم يقم بأداء الصلاة أو الصيام مثلاً يعاقب وإذا سكر يعاقب وإذا زنا يعاقب، وإذا خرجت المرأة عارية أو متبرجة تعاقب، لذلك فالحريات الموجودة في النظام الرأسمالي الغربي لا وجود لها في الإسلام، وهي تتناقض مع أحكام الإسلام تناقضاً كلياً.
ومن أبرز أفكار المبدأ الرأسمالي: الديمقراطية.
رأي الإسلام في الديمقراطية:
والديمقراطية هي حكم الشعب للشعب وبالشعب، فأصل النظام الديمقراطي أن الشعب هو الذي يملك الإرادة والسيادة، ويملك التنفيذ، فهو الذي يملك تسيير إرادته لأنه سيد نفسه، وليس لأحد سيادة عليه، وبذلك يكون هو المشرع، فيشرع الشرع الذي يريد ويلغي ويبطل الشرع الذي يريد إبطاله. ولما كان لا يستطيع ذلك بنفسه فإنه يختار نواباً عنه ليقوموا بالتشريع نيابة عنه.
وهو الذي يملك الحكم والتنفيذ، ولما كان من المتعذر أن يباشر الحكم بنفسه لذلك فإنه يختار حكاماً ليقوموا نيابة عنه بتنفيذ التشريع الذي شرعه الشعب، وبذلك كان الشعب مصدر السلطات في النظام الرأسمالي الغربي، فالشعب هو السيد وهو الذي يشرع ويحكم.
وهذا النظام الديمقراطي هو نظام كفر، فهو من وضع البشر، وليس هو أحكاماً شرعية، لذلك كان الحكم به حكماً بالكفر، وكانت الدعوة إليه هي دعوة لنظام كفر، ولهذا فلا تجوز الدعوة إليه، أو الأخذ به بحال من الأحوال.
وهذا النظام الديمقراطي مخالف لأحكام الإسلام، فالمسلمون مأمورون بتسيير جميع أعمالهم بأحكام الشرع. والمسلم عبد لله، فهو يسيّر إرادته وفق أوامر الله ونواهيه، والأمة لا تملك أن تسيّر إرادتها وفق هواها، لأنها ليست لها السيادة، والذي يسـيّـر إرادتها هو الشرع لأنه صاحب السيادة. لذلك فإن الأمة لا تملك التشريع لأن الله هو المشرع، ولو أجمعت الأمة على إباحة ما حرم الله، مثل الربا أو الاحتكار أو الزنا أو شرب الخمر فلا يكون لإجماعها أية قيمة لأنه يتناقض مع أحكام الإسلام. فإن أصرت على ذلك تقاتَل.
إلاّ أن الله سبحانه وتعالى قد جعل السلطان أي الحكم والتنفيذ للأمة، فجعل لها حق اختيار الحاكم وتنصيبه، ليقوم بالحكم والتنفيذ نيابة عنها، وقد شرّع الله لها كيفية تنصيب الحاكم بالبيعة. وبهذا يدرك الفرق بين السيادة والسلطة، فالسيادة للشرع والسلطة للأمة.
وهي مبدأ مادي يقوم على نظرية التطور المادي والتطور التاريخي، فالمادة فيه هي أصل الأشياء جميعها، وأن الأشياء تصدر عنها، وتتولد بطريق التطور، وأن النظام فيها يؤخذ من أدوات الإنتاج، وأن الأنظمة تتطور بتطور آلات الإنتاج، وأن المجتمع فيها هو مجموعة عامة، من الأرض، وأدوات الإنتاج، والطبيعة والإنسان، وكلها شيء واحد هو المادة، وحين تتطور الطبيعة وما فيها يتطور معها الإنسان، ويتطور المجتمع كله.
لذلك كان المجتمع فيها خاضعاً للتطور، وحين يتطور المجتمع يتطور الفرد معه، فيدور معه كما يدور السن في الدولاب. والشيوعية تمنع تملك أدوات الإنتاج تملكاً فردياً، وتجعلها ملكاً للدولة.
والمبدأ الشيوعي مبدأ كفر، وأفكاره أفكار كفر، ونظامه نظام كفر، وهو يتناقض مع الإسلام تناقضاً كلياً وجذرياً في كلياته وجزئياته.
فالإسلام بـيَّـن وأثبت أن المادة مخلوقة وليست أزلية، وأنها ستفنى، وأن الإنسان مخلوق لخالق، وأن الكون وما فيه مخلوق لخالق، وأن النظام إنما هو من عند الله، وليس من تطور المادة، أو آلة الإنتاج، ولا من البشر، وأن المجتمع هو إنسان وأفكار ومشاعر وأنظمة، وأن الذي يحدد المجتمعات إنما هو النظام الذي يطبق عليها. فالمجتمع الذي يطبق الإسلام يكون مجتمعاً إسلامياً مهما كانت نوعية آلة الإنتاج الموجودة فيه، والمجتمع الذي يطبق عليه النظام الرأسمالي يكون مجتمعاً رأسمالياً، والمجتمع الذي يطبق عليه النظام الشيوعي هو مجتمع شيوعي مع أن آلة الإنتاج الموجودة فيه هي نفس آلة الإنتاج الموجودة في النظام الرأسمالي.
· الحضارة و المدنية:
الحضارة هي مجموع المفاهيم عن الحياة. أما المدنية فهي الأشكال المادية المحسوسة التي تستعمل في شؤون الحياة.
وتكون الحضارة خاصة حسب وجهة النظر في الحياة، فالحضارة الإسلامية هي غير الحضارة الغربية، وغير الحضارة الشيوعية، لأن لكل حضارة من هذه الحضارات وجهة نظرها الخاصة، والمختلفة عن غيرها من الحضارات الأخرى.
لذلك لا يجوز للمسلمين أن يأخذوا شيئاً من الحضارة الغربية، أو شيئاً من الحضارة الشيوعية، لتناقض هاتين الحضارتين مع الإسلام.
أما المدنية فإنها إن نتجت عن الحضارة كالصور والتماثيل لما فيه روح، فإنها تعتبر خاصة ولا يجوز أن تؤخذ. فحضارة الإسلام تحرم صنع التماثيل واقتناءها، كما تحرم رسم كل ذي روح، بينما الحضارة الغربية، والحضارة الشيوعية تبيحها ولا تحرمها.
أما إن كانت المدنية ناتجة عن العلم وتقدمه والصناعة ورقيها، كوسائل المواصلات من الطائرات والسفن والسيارات، وكأدوات الإنتاج الصناعية والزراعية وكأدوات الحرب المتـطـورة، وكذلك جميع ما تنتجه العـقـول البشـريـة مـن مخـترعـات ومكتشفات نتيجة لتقدم العلم، ولرقي الصناعة كالعقول الإلكترونية وغيرها.
فجميع هذه الأشكال هي أشكال عالمية، وهي لجميع العالم، ولا تختص بحضارة من الحضارات، أو بأمة من الأمم، أو بدين من الأديان، بل هي للبشرية جمعاء، لأنها لا علاقة لها بالحضارة، ولا بوجهة النظر عن الحياة.
لذلك يجوز أن تؤخذ لأنها لا تـتـعـارض مع أحكام الإسلام، بل إن أخذها واجب على الكفاية.
أحكام في نظام الحكم في الإسلام
· السلطان الإسلامي:
لقد حدد الإسلام السلطان الإسلامي بأنه الحكم بما أنزل الله، قال تعالى: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾ [المائدة: 48]، وقال: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ [المائدة: ٤9]، وعلى ذلك فكل سلطان يحكم بما أنزل الله، أي يحكم بالكتاب والسنة هو حكم إسلامي شرعي، أي هو سلطان إسلامي شرعي.
وقد حدد الإسلام شكل نظام الحكم بأنه نظام الخـلافة، وجعله وحده نظام الحكم للدولة الإسلامية. روى مسلم عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي ﷺ قال: «كَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الأنْبـِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبـِيٌّ خَلَفَهُ نَبـِيٌّ وَإنَّهُ لاَ نَبـِيَّ بَعْدِي وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ تَكْثُرُ» [رواه مسلم]، فهذا الحديث صريح بأن شكل نظام الحكم في الإسلام بعد الرسول ﷺ هو نظام الخـلافة، ويؤيد ذلك ما جاء في أحاديث عديدة من جعل الإمامة أي الخـلافة هي وحدها نظام الحكم في الإسلام، كحديث «سَيَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ» [رواه الحاكم في المستدرك]، وحديث «إذَا بُويِعَ لِخَلِيفَـتَـيْنِ» [رواه مسلم]، إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على أن نظام الحكم في الإسلام هو نظام الخـلافة ليس غير.
وعليه فإن كل حكم وسلطان قام على نظام الخـلافة، وجرى نصب الخليفة فيه بطريق البيعة، وحكم بما أنزل الله أي بالكتاب والسنة هو حكم إسلامي شرعي، وسلطان إسلامي شرعي.
وكل خليفة نصبه المسلمون، وبايعوه عن رضى فإنه يعتبر خليفة شرعاً وتجب طاعته.
والخليفة غير محدد بمدة، بل هو محدد بتطبيق الإسلام، فإن لم يطبق الإسلام عزل ولو بعد شهر من تنصيبه بينما رئيس الجمهورية مقيد بمدة معينة. وعلاوة على ذلك فإن رئيس الجمهورية في النظام البرلماني يكون معه رئيس للوزراء ويكون رئيس الجمهورية رمزاً لا يحكم، ويكون الحاكم معه هو رئيس الوزراء بينما الخليفة هو الحاكم وهو الذي يباشر الحكم والتنفيذ بنفسه ولا يكون معه وزراء يحكمون دونه.
أما النظام الرئاسي فإنه وإن كان رئيس الجمهورية هو الذي يباشر الحكم لكنه يكون معه وزراء لهم صلاحية الحكم ويكون هو رئيساً لهم ويكون هو قائماً مقام رئيس الحكومة، وهذا بخلاف نظام الخـلافة فإن الخليفة هو الذي يباشر الحكم بنفسه ومن معه يكونون معاونين له يستعين بهم، ولا توجد لهم صلاحيات الوزراء في النظام الديمقراطي الجمهوري، وحين يتولى الخليفة رئاستهم فإنه يتولاها بوصفه رئيساً للدولة، وليس بوصفه رئيساً للهيئة التنفيذية.
لذلك يوجد فرق كبير بين النظام الجمهوري وبين نظام الخـلافة، وعلى ذلك فلا يجوز مطلقاً أن يقال عن الدولة الإسلامية، الجمهورية الإسلامية، كما لا يجوز أن يقال إن نظام الحكم في الإسلام هو نظام جمهوري، أو إن الإسلام نظام جمهوري، وذلك لوجود التناقض التام بين الإسلام وبين النظام الجمهوري.
نظام الحكم في الإسلام، الذي هو نظام الخـلافة هو نظام وحدة، لدولة واحدة، وليس هو نظاماً اتحادياً.
ولا يجوز أن يكون للمسلمين جميعاً في الدنيا إلا دولة إسلامية واحدة، ولا يجوز أن يكون لهم في الوقت الواحد إلا خليفة واحد ينفذ عليهم كتاب الله وسنة رسوله، أي ينفذ الشرع الإسلامي. لأن الدليل الشرعي إنما جاء بذلك وحرَّم ما سواه. لما رُوي عن عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: إنه سمع رسول الله ﷺ يقول: «وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَده وَثَمَرَةَ قَلْبـِهِ فَلْيُطِعْهُ إن اسْـتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ» [رواه مسلم]، ولما رُوي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله ﷺ أنه قال: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَـتَـيْنِ فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا» [رواه مسلم]، ولما رُوي عن عرفجة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ» [رواه مسلم].
وهذه الأحاديث صريحة في أنه لا يجوز أن يكون للمسلمين أكثر من خليفة واحد، فإن جاء شخص آخر ينازعه فيجب قتل الثاني، أو إذا بويع لاثنين فالأول هو الخليفة، والثاني يقتل إن لم يتنازل، وإن قام أحد لينازع الخليفة، ليقسم الدولة، أو ليقيم نفسه خليفة وجب قتله، وصريحة في أنه لا يجوز أن يكون لهم أكثر من دولة واحدة، وصريحة في وجوب أن تكون الدولة الإسلامية دولة وحدة لا دولة اتحاد مكون من وحدات.
يقوم نظام الحكم في الإسلام على أربع قواعد هي:
1. السيادة للشرع (لا للشعب):
فالذي يسـيّر إرادة المسلم والأمة بشعوبها المختلفة، ليس المسلم نفسه، ولا الأمة الإسلامية نفسها، ولا أي شعب من شعوبها، بل إن إرادة الفرد المسلم، وإرادة الأمة الإسلامية مسيّرة بأوامر الله ونواهيه فقط، لقوله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء: ٦٥]، ولقوله سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٣٦]، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [النساء: 59]، ولقوله ﷺ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعاً لِمَا جِئْتُ بـِهِ» [أخرجه الحسن بن سفيان بسند صححه النووي] وهذه الأدلة صريحة في أن السيادة إنما هي لشرع الله وليست هي للشعب.
2. السلطان للأمة:
واضح أن السلطان، أي الحكم إنما هو للأمة من الطريقة التي عينها الشارع لنصب الخليفة من قبل الأمة بالبيعة، ومن كون الخليفة يأخذ السلطان بهذه البيعة ويحكم الأمة نيابة عنها، وكون الخليفة إنما يأخذ السلطان بهذه البيعة دليل واضح على أن السلطان للأمة تعطيه من تشاء، كما وردت أحاديث صريحة تبين أن الأمة هي التي تؤمّر الأمير، وتنصبه وتبايعه. فقد روى عبد الله بن عمرو أن النبي ﷺ قال: «وَلاَ يَحِلُّ لِثَلاَثَةِ نَفَرٍ يَكُونُونَ بـِأَرْضِ فَلاَةٍ إِلاَّ أَمَّرُوا عَلَيْهِمْ أَحَدهمْ» [رواه أحمد]، وهذا صريح في النص على أن التأمير من الأمة، وسبقت أحاديث البيعة التي تبين أنها إنما تكون من الأمة.
3. نصب خليفة واحد فرض على المسلمين:
وقد مرت معنا أحاديث نصب الخليفة، ووجوب أن يكون واحداً، نائباً عن المسلمين في الحكم، كما دل على ذلك إجماع الصحابة.
4. للخليفة وحده حق تبني الأحكام الشرعية فهو الذي يسن الدستور وسائر القوانين:
وقد ثبت بإجماع الصحابة أن للخليفة وحده حق تبني الأحكام الشرعية التي تطبق في الدولة، ومن هذا الإجماع أخِذت القواعد الشرعية المشهورة. (أمر الإمام يرفع الخلاف)، (أمر السلطان نافذ)، (للسلطان أن يحدث من الأقضية بقدر ما يحدث من مشكلات).
· أجهزة الدولة الإسلامية:
أجهزة دولة الخـلافة ثلاثة عشر جهازاً وهي:
1- الخليفة (رئيس الدولة).
2- المعاونون (وزراء التفويض).
3- وزراء التنفيذ.
4- الولاة.
5- أمير الجهاد.
6- الأمن الداخلي.
7- الخارجية.
8- الصناعة.
9- القضاء.
10- مصالح الناس (الجهاز الإداري).
11- بيت المال.
12- الإعلام.
13- مجلس الأمة (الشورى والمحاسبة).
وقد أُخِذت هذه الأجهزة للدولة من فعل الرسول ﷺ، فقد كان هو رئيس الدولة، وأمر المسلمين بأن يقيموا لهم خليفة، وقد عيّن أبا بكر وعمر معاونَيْن له، حيث قال كما أخرج الترمذي: «وَأَمَّا وَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» والوزير في اللغة هو المعاون، وليس الوزير بالاصطلاح الديمقراطي الغربي. واتخذ ﷺ ما كان يسمى في عهده وعهد الخلفاء الراشدين بالكاتب، وهو بمثابة وزير التنفيذ، وقد عيّن الولاة على الأقاليم فعيّن معاذاً والياً على اليمن، وولى عتَّاب بن أسيد والياً على مكة بعد فتحها، كما أن الرسول ﷺ كان يعيّن أمراء للحرب والجهاد،وأقام جيشاً، وكان هو ﷺ قائده الفعلي. وكذلك اهتم ﷺ بالأمن الداخلي والشرطة، روى البخاري أن قيس بن سعد كان يكون بين يدي النبي ﷺ بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير. وكان ﷺ يدير السياسة الخارجية، كما أمر بصناعة المنجنيق والعرّادة (الدبابة)، وقد تولى ﷺ القضاءبنفسه وعيّن قضاة يقضون بين الناس فقد عيّن علياً قاضياً على اليمن وقلد غيرُه القضاء. أما الجهاز الإداري فقد عيّن كتاباً لإدارة المصالح، وكانوا بمقام مديري الدوائر فقد عيّن معيقيب بن أبي فاطمة كاتباً على الغنائم، وعيّن حذيفة بن اليمان كاتباً على خرص ثمار الحجاز. وكان ﷺ يتولى أمر المال أو يولي من يقوم به، فيوضع في المسجد ويوزع، أو في خزانة ويقسم، وفي عهد الراشدين صار يسمى المكان بيت المال كما ذكر ابن سعد في الطبقات. وكذلك كان موضوع الإعلام، وبخاصة في الأمور المهمة، بردها إلى الرسول ﷺ وأولي الأمر كما في الآية ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ﴾[النساء: ٨٣]، وكما ورد في بعض الأحاديث. أما مجلس الأمة فلم يكن للرسول ﷺ مجلس معيّن دائماً ولكنه كان يستشير المسلمين حينما يريد، فقد جمعهم واستشارهم يوم أحد، وجمعهم واستشارهم في غير ذلك، وكان أحياناً يدعو أشخاصاً معيّنين بشكل دائمي يستشيرهم، وكانوا نقباء القوم منهم حمزة، وأبو بكر وعمر، وجعفر وعلي وابن مسعود وسلمان، وعمار، وحذيفة وأبو ذر والمقداد، وسعد بن عبادة، وسعد بن معاذ، فكانوا بمثابة مجلس يستشيرهم فيه.
الأحزاب السياسية
للمسلمين الحق شرعاً في إقامة أحزاب سياسية، لمحاسبة الحكام، أو للوصول إلى الحكم عن طـريـق الأمـة، على شرط أن يكون أساس هذه الأحـزاب قـائمـاً على العقيدة الإسلامية، وأن تكـون الأحكام والمعالجات التي تتبناها أحكاماً شرعية، ومعالجات شرعية، ولا يحتاج إنشاء الحـزب إلى ترخـيـص بل يكفي فيه إعلام الحاكم، ويجـوز أن تكـون الأحـزاب متعددة، لقوله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[آل عمران].
لقـد فـرض الله سـبحـانـه وتعـالى طاعة الحكام، وأوجـب محاسبتهم على أعمالهم وتصرفاتهم. وقـد أمـر المسلمين أمراً جازماً بأن يحـاسـبوا الحكام، وأن يغـيّـروا عليهم إذا هضموا حقوق الرعية، أو قصروا بواجباتهم نحوها، أو أهملوا شأناً من شؤونها، أو خالفوا حكماً من أحكام الإسلام، أو حكموا بغير ما أنزل الله. قال ﷺ: «أَلاَ إِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» [رواه أحمد]، وقال: «سَـيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَرَجُلٌ قَالَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ» [الحاكم في المستدرك].
طاعة الحاكم المسلم الذي يحكم بما أنزل الله فرض على المسلمين، ما لم يأمر بمعصية، وما لم يظهر الكفر البواح في حكمه، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ﴾ [النساء:59]، فالطاعة للحاكم المسلم الذي يحكم بما أنزل الله مطلقة إلا في حالة أمره بمعصية فإنه لا تجوز طاعته في المعصية التي أمر بها. قال ﷺ: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ إِلاَّ أَنْ يُؤْمَرَ بـِمَعْصِـيَـةٍ فَإِنْ أُمِرَ بـِمَعْصِـيَـةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ» [رواه أحمد].
وقد حرم الإسلام الخروج على الحاكم، ما دام يحكم بالإسلام، ولو ظلم، فإنه يحاسب على ظلمه، ولا يجوز الخروج عليه ومقاتلته على ظلمه. قال ﷺ: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَمَاعَةِ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلاَمِ من عُنُقِهِ إلَى أَنْ يَرْجِعَ» [رواه أحمد]، وقد ورد النهي صريحاً في الأحاديث عن مقاتلة الحكام وإن ظلموا، إلا في حالة واحدة وهي حالة ما إذا حكموا بالكفر البواح، أي الذي لا شك في أنه كفر بالدليل القاطع. قال ﷺ: «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُـنْكِرُونَ فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ قَالُوا أَفَلاَ نُقَاتِلُهُمْ قَالَ لاَ مَا صَلَّوْا» [رواه مسلم]، والصلاة كناية عن الحكم بالإسلام. وفي حديث عوف بن مالك الذي رواه مسلم «قِـيـلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نُـنَـابـِذُهُمْ بـِالسَّـيْـفِ فَقَالَ لاَ مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلاَةَ» وفي حديث عبادة بن الصامت «وَأَنْ لاَ نُـنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ» [رواه البخاري].
أحكام في النظام الاقتصادي في الإسلام
وقد وضع الحزب مقدمة طويلة لكتابه النظام الاقتصادي في الإسلام، خصصها لنقض الأفكار الاقتصادية للنظام الاقتصادي الرأسمالي، وللنظامين الاقتصاديين الشيوعي والاشتراكي، وبين فساد هذه الأفكار الاقتصادية جميعها، كما بين مناقضتها لأفكار النظام الاقتصادي في الإسلام وأحكامه.
وهذه بعض الأفكار والأحكام في النظام الاقتصادي في الإسلام:
· سياسة الاقتصاد في الإسلام
سياسة الاقتصاد في الإسلام هي ضمان تحقيق إشباع جميع الحاجات الأساسية لكل فرد إشباعاً كلياً، وتمكينه من إشباع الحاجات الكمالية بقدر ما يستطيع، باعتباره يعيش في مجتمع إسلامي معين، له طراز خاص من العيش.
لذلك فـإن الأحكام الشـرعـية قـد ضمنت إشباع الحاجات الأساسية، من مأكل ومسكن وملبس لكل فرد إشباعاً كلياً، وذلك بفرض العمل على القادر حتى يوفر الحاجات الأساسية له ولمن تجب عليه نفقتهم، وفرضها على المولود له، وعلى الوارث إن لم يكن قادراً على العمل، أو على بيت المال إن لم يوجد من تجـب عليه نفقته. وبهذا ضـمـن الإسلام لكل فرد بعينه أن يشبع الحاجات التي لا بد للإنسان أن يشبعها.
هـي تـوزيـع الأموال والمنافع على جمـيـع أفراد الرعية، وبتعبير آخر فإن المشكلة الاقتصادية هي توزيع الثروة، وليس إنتاج الثروة، وإن كان انتاجها مهمًّا.
المال أساساً مملوك لله وحده، والله قد استخلف فيه بني الإنسان، فصار لهم بهذا الاستخلاف حق ملكيته، والله هو الذي أذِنَ للفرد بحيازته، فصار له بهذا الإذن الخاص ملكيته بالفعل. قال تعالى: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: ٣٣]، فنـسـب المـال إلـيـه تعالى وقال:﴿وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ [الحديد: ٧]، فجعل الناس خلفاء في المال عن الله تعالى، فإنه هو الذي استخلفهم.
الملكية ثلاثة أنواع: ملكية فردية، وملكية عامة، وملكية دولة.
أولاًـ الملكية الفردية:
هي إذن الشارع للإنسان بالانتفاع بالعين استهلاكاً ومنفعة ومبادلة. وقد جعل الإسلام التمـلك للـفـرد حقاً شرعياً، فله أن يتملك أموالاً منقولة كالأنعام والنقود والسيارات والملابس، كما له أن يتملك أموالاً غير منقولة، كالأرض والبيت والمصنع. وقد جعل الشرع للفرد سلطاناً على ما يملك للتصرف فيه، إلا أن الشارع قد حدد الأسباب التي يجوز أن يتملك بها الإنسان المال، وأن ينميه، كما حدد كيفية التصرف في هذا المال.
وقد حدد الشارع الأسباب التي يجوز للإنسان أن يتملك بها، والأسباب التي ينمي بها أمواله.
فجعل من أسباب التملك العمل بأنواعه للنفس، وعند الآخرين، ومن العمل إحياء الموات، والصيد، واستخراج ما في باطن الأرض، والسمسرة والدلالة والمضاربة والمساقاة.
كما جعل الشارع من أسباب التملك الإرث، والحـاجة للمال مـن أجـل الحـياة، وإعطاء الدولة من أموالها للرعية، والأموال التي يأخذها الأفراد دون مقابل جهد أو مال كأموال الهبات والهدايا والوصايا والأعطيات والديات والمهر واللقطة.
وقد جعل الشارع الزراعة والتجارة والصناعة من أسباب تنمية المال وكسبه وحدد الكيفية التي ينمى بها المال في هذه الطرق، كما حدد الطرق التي يمنع المسلم من أن ينمي فيها أمواله، أو أن يتخذها وسيلة للكسب، فمنع كسب المال وتنميته بالطرق التالية:
إن شركات المساهمة شركات يحرمها الإسلام ولا يجيزها لأنها غير مستوفية جميع شروط الانعقاد، وشروط الصحة التي جاء بها النص الشرعي، لأن شركات المساهمة لا يتحقق فيها أركان العقد التي هي الإيجاب والقبول، فهي تتم من جانب واحد وهو المساهم، إذ بمجرد أن يوقع الشخص على شروط الشركة يصير شريكاً، وبمجرد شراء الشخص للسهم في الشركة يصير شريكاً، فهي عند الرأسماليين من قبيل الإرادة المنفردة، وليس في شركة المساهمة عاقدان بل متصرف واحد، وليس فيها إيجاب وقبول، بـل قبول فحسـب، وليس فيها مال وبدن، بل مال فقط.
والشركة شرعاً لا بد أن تكون بإيجاب وقبول من عاقدين مثل البيع والإجارة، وما شاكل ذلك من العقود، ولا بد أن تكون بين بدنين، أو بين مال وبدن، ولا يجوز أن تكون بين الأموال دون بدن.
لذلك فإن شركة المساهمة الرأسمالية لم تـنـعـقـد، لفقدانها ركناً من أركان العقد، فكانت باطلة. وكانت حراماً. فإنها لمخالفتها الشـرع تعـتـبر مما نهى الله عنه، ففـيها ترك ما أمـر الله بـه مـن شـروط انعقاد الشركة، وفيها فعل لما نهى الله عنه، وهو مخالفة أمره. قال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور].
ثانياًـ الملكية العامة:
النوع الثاني من أنواع الملكية هو الملكية العامة.
وهي الأعيان التي جعل الشارع ملكيتها لجماعة المسلمين. وجعلها مشتركة بينهم، وأباح للأفراد أن ينتفعوا منها، ومنعهم من تملكها.
وهذه الأعيان تتمثل في ثلاثة أنواع رئيسية هي:
1. مرافق الجماعة التي لا تستغني حياة الجماعة اليومية عنها، وتتفرق عند فقدها، كالماء. قال رسول الله ﷺ: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاَثٍ الْمَاءِ وَالْكَلإِ وَالنَّارِ» [رواه أحمد]، والأمر لا يقتصر على هذه الثلاث، بل يشمل كل ما فيه حاجة الجماعة ويلحق بهذا النوع كل آلة تستعمل فيه فإنها تأخذ حكمه وتكون ملكية عامة كآلات ضخ المياه العامة وأنابيب توصيلها، وآلات مولدات الكهرباء من مساقط المياه وأعمدتها وأسلاكها.
2. الأعيان التي تكون طبيعة تكوينها تمنع اختصاص الأفراد بحيازتها. كالبحار والأنهار والساحات العامة، والمساجد، والطرق العامة، قال ﷺ: «مِنىً مُـنَاخُ مَنْ سَبَقَ» [رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم في المستدرك].
ويلحق بهذا النوع من الملكيات العامة القطارات وأعمدة الكهرباء وأنابيب المياه وقساطل المجاري التي تمر بالطريق العام فإنها تكون ملكية عامة تبعاً لكون الطريق ملكية عامة، ولا يجـوز أن يخـتص بها فـرد، ولا أن يحـمي مما هـو لعـمـوم الناس، قال ﷺ: «لاَ حِـمَـى إِلاَّ لِلَّهِ ولِرَسُـولِهِ» [رواه البخـاري]، فـالحـمى لا يجـوز لغير الدولة.
3. المعادن العِدّ التي لا تنقطع:
وهي المعادن الكثيرة، غير محدودة المقدار، فإنها تكون مملوكة لجميع المسلمين، ولا يجوز أن يملكها الأفراد، أو الشركات، كما لا يعطى امتياز استخراجها وتصنيعها واحتكار توزيعها لأفراد أو شركات بل يجب أن تبقى ملكية عامة لجميع المسلمين، مشتركة بينهم، وأن تقوم الدولة باستخراجها بنفسها أو بواسطة أُجراء وبيعها نيابة عن المسلمين ووضع وارداتها في بيت المال. ولا فرق في هذه المعادن بين أن تكون ظاهرة كالملح والكحل، أو تكون في باطن الأرض وأعماقها ولا يتوصل إلى استخراجها إلا بمشقة ومؤونة كبيرة مثل الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص واليورانيوم والنفط وغيرها من المعادن، ودليل ذلك ما روي عن أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ «أَنَّهُ وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَاسْـتَقْطَعَهُ فَأَقْطَعَهُ الْمِلْحَ فَلَمَّا أَدْبَرَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَدْرِي مَا أَقْطَعْتَهُ إِنَّمَا أَقْطَعْتَهُ الْمَاءَ الْعِدَّ قَالَ فَرَجَعَ فِيهِ» [أخرجه ابن حبان في صحيحه].
أما المعادن القليلة محدودة المقدار كعروق الذهب والفضة فإنها تكون من الملكيات الفـردية. ويجوز أن يملكها الأفراد، كما ملّك رسول الله ﷺ بلال بن الحارث المزني معادن القبلية من ناحية الـفـرع بالحجاز، وكان بلال قـد سـأل رسـول الله ﷺ أن يقـطـعـها له فأقطعه إياها، وملكها له.
بما أن الملكية العامة ملك لجميع المسلمين، مشتركة بينهم فإن لكل فرد أن ينتفع من هذه الملكية العامة. فإن كانت أعيان هذه الملكية مما يسهل على الإنسان أن ينتفع منها مباشرة بنفسه كالماء والكلأ والنار والطرقات العامة والأنهار والبحار فللشخص أن ينتفع من ذلك بنفسه.
وإن كانت أعيان الملكية العامة مما لا يسهل على الفرد الانتفاع بها مباشرة كالنفط والمعادن فإن الدولة تستخرجها وتضع وارداتها في بيت المال وينفق منها الخليفة بما يحقق مصلحة المسلمين. ويمكن أن يسير في توزيع منتجاتها ووارداتها على النحو التالي:
1. ينـفـق على ما يتعـلق بإدارة أعيان الملكية العامة واستخراجها من بنايات وموظفين ومستشارين وخبراء وآلات ومصانع.
2. ينفق على المسلمين الذين هم المالكون لهذه الملكيات العامة فله أن يوزع عليهم من أعيان هذه الملكية كالماء والغاز والنفط والكهرباء بدون ثمن أو أن يوزع عليهم نقوداً من وارداتها بحسب ما يرى فيه الخير والمصلحة للمسلمين.
3. يحمى منها للصرف على الجهاد وما يتطلبه من مصانع للسلاح ولتكوين الجيش، ولنفقات بيت المال التي يجب على بيت المال الإنفاق عليها في حال وجود المال وعدمه. والتي يجب على المسلمين الإنفاق عليها في حال عدم وجود مال في بيت المال.
ثالثاًـ ملكية الدولة
هذا هو النوع الثالث من أنواع الملكية وهو ملكية الدولة، وهي كل عين من أرض أو بناء تعلق به حق لعامة المسلمين. ولا تكون داخلة في الملكية العامة. فملكية الدولة هي أعيان تقبل التملك الفردي كالأرض والبناء والأشياء المنقولة. لكن لما تعلق بها حق لعامة المسلمين صار تدبيرها والقيام على شؤونها والتصرف فيها موكولاً إلى الخليفة، أي إلى الدولة لأنه صاحب الصلاحية في التصرف في كل ما يتعلق به حق لعامة المسلمين، وذلك كالصحارى، والجبال، وشواطئ الأنهار وموات الأرض غير المملوكة للأفراد، والأبنية والمسقفات التي تشتريها الدولة، أو تعمرها أو تستولي عليها من الأعداء في الحرب كأبنية دوائر الدولة والمدارس والمستشفيات وما شاكلها.
وللدولة أن تملّك من أملاكها مما يملك للأفراد من أرض وبناء فإن للخليفة أن يملك منها الأفراد تمليك رقبة ومنفعة، أو تمليك منفعة دون تمليك الرقبة، أو يسمح لهم بإحياء الأرض الموات وتمـلكها، يتصـرف في ذلك بما فيه مصلحة المسلمين.
للأراضي رقبة ومنفعة، فرقبتها هي أصلها ومنفعتها هي استعمالها في الزراعة وغيرها وقد أباح الإسلام ملكية رقبة الأرض، كما أباح ملكية منفعتها. ووضع لكل منهما أحكاماً خاصة بها.
الأراضـي نـوعـان: أرض عـشــريـة، وأرض خراجية.
أولاً- الأرض العشرية:
هي الأرض التي أسلم أهلها عليها كإنـدونـيـســيـا، وأرض جـزيـرة العرب. والأرض الموات التي يحييها الإنسان.
والأرض العشرية تملك رقبتها ومنفعتها وتجـب فيها الزكاة على ناتـج الأرض وهو العشر إن سقيت بماء السماء أو نصف العشر إن سقيت بالآلات.
ثانياً- الأرض الخراجية:
هي الأرض التي فتحت حرباً، أو صلحاً، ما عدا جزيرة العرب، كالعراق والشام ومصر وغيرها من البلاد المفتوحة عَنوة.
والأرض الخراجية رقبتها مملوكة للمسلمين، والدولة نائبة في ملكية الرقبة عنهم. ويجوز للأفراد أن يملكوا منفعة الأرض الخراجية.
ويجب في الأرض الخراجية الخراج وهـو مـقـدار تفرضه الدولة على الأرض، كما تجـب الزكاة على الناتج فيها بعد إخراج الخراج منه إذا بلغ النصاب.
ويحق لكل فرد الانتفاع بالأرض العشرية بيعاً وميراثاً وهبة كما يحق له الانتفاع بمنفعة الأرض الخراجية بيعاً وشراء وميراثاً كسائر الأموال الأخرى.
يجوز أن تكون المصانع مملوكة ملكية فردية، كمصانع السيارات أو الأثاث، أو الخياطة أو المعلبات أو غيرها من المصانع التي تملك فردياً.
ويجوز أن تملك المصانع للدولة كأن تملك الدولة مصانع السلاح أو مصانع استخراج النفط أو المعادن أو غير ذلك من المصانع.
وتكون المصانع مملوكة ملكية عامة، عندما تكون تنتج مادة الملكية العامة مثل مصانع الحديد والنحاس والذهب والفضة ومصانع استخراج النفط وغيرها من أعيان الملكية العامة.
وتكون ملكية هذه المصانع تبعاً لملكية المادة التي تنتجها، اتبـاعـاً لقاعدة (أن المصنع يأخذ حكم ما ينتج).
واردات بيت المال هي:
1. الأنفال والغنائم والفيء والخمس.
2. الخراج.
3. الجزية.
4. واردات الملكيات العامة بأنواعها، وتوضع في باب خاص بها.
5. واردات أملاك الدولة من أرض وبناء وغيرها.
6. العشور التي تؤخذ على حدود البلاد.
7. خمس الركاز والمعدن.
8. الضرائب.
9. أموال الزكاة وتوضع في باب خاص بها.
كان المسلمون من أيام الرسول ﷺ قد اتخذوا وحدة الذهب، ووحدة الفضة أساساً للنقد عندهم، فاستعملوها جنباً إلى جنب، غير أنهم كانوا يتخذون من الدنانير البيزنطية، والدراهم الكسروية نقداً لهم، ولم يسكوا نقداً خاصاً بهم منذ أيام الرسول ﷺ حتى أيام عبد الملك بن مروان. ففي عهده ضرب عبد الملك نقداً إسلامياً خاصاً، جعله على شكل معين وطراز خاص، نقشه بنقوش إسلامية خاصة، وجعله قائماً على وحدة الذهب، ووحدة الفضة، بوزن الدينار والدرهم الشرعيين.
وقد ربط الإسلام أحكاماً شرعية بالذهب والفضة باعتبارهما ذهباً وفضة، وباعتبارهما نقداً وعملة، وأثماناً للأشياء، وأجرة للجهد، فحرّم كنزهما، وربط بهما أحكاماً معينة ثابتة لا تتغير ففرض الزكاة فيهما باعتبارهما نقدين، وأثماناً للمبيعات، وعين لهما نصاباً معيناً من دنانير الذهب، ودراهم الفضة، وحين فرض الدية جعلهما يدفعان فيها، وعين لها مقداراً معيناً من الذهب هو ألف دينار ومقداراً معيناً من الفضة هو اثنا عشر ألف درهم. وحين أوجب القطع في السرقة، عين المقدار الذي تقطع فيه يد السارق من الذهب بربع دينار، ومن الفضة بثلاثة دراهم، وحين قرر أحكام الصرف في المعاملات النقدية جعلها في الذهب والفضة.
فربط الإسلام لهذه الأحكام الشرعية بالذهب والفضة بوصفهما نقدين وعملة للتداول وأثماناً للمبيعات هو إقرار من الرسول ﷺ لجعل الذهب والفضة هما الوحدة القياسية النقدية، التي تقدر بها أثمان السلع وأجرة الجهد.
وهذا دال على اعتبار أن النقد في الإسلام هو الذهب والفضة، لأن جميع الأحكام التي ارتبطت بالنقود ربطت بالذهب والفضة.
وعليه فإن على المسلمين أن يكون نقدهم هو الذهب والفضة، وعلى دولة الخـلافة أن تجعل نقدها هو الذهب والفضة، وأن تسير على قاعدة الذهب والفضة، كما كان الحال أيام الرسول ﷺ والخلفاء من بعده. وعليها أن تسك الدنانير والدراهم على شكل معين وطراز خاص بدولة الخـلافة، وأن تجعل وزن الدينار هو وزن الدينار الشرعي 4,25 غراماً للدينار الواحد الذي هو وزن المثقال، وأن تجعل وزن درهم الفضة هو وزن الدرهم الشرعي الذي يطلق عليه وزن سـبعة أي كل عشرة دراهم منها وزن سبعة مثاقـيل فتسك الدرهم بوزن 2,975 غراماً للدرهم الواحد.
وقاعدة الذهب والفضة هي وحدها القادرة على القضاء على المشاكل النقدية، وعلى ظاهرة التضخم الشديدة التي تعم العالم، وعلى إيجاد استقرار نقدي، وثبات لأسعار الصرف وتقدم التجارة الدولية. وبقاعدة الذهب والفضة وحدها يمكن القضاء على تحكم أمريكا والدولار الأمريكي في النقد الدولي، وفي التجارة الدولية وفي الاقتصاد العالمي، ففي العودة إلى قاعدة الذهـب هذه يفـقـد الدولار أية قيمة تأثيرية له في العالم.
سياسة التعليم
يجب أن يكون الأساس الذي يقوم عليه منهج التعليم هو العقيدة الإسلامية، فتوضع مواد الدراسة، وطرق التعليم جميعها على الوجه الذي لا يحدث أي خروج في التعليم عن هذا الأساس.
فسياسة التعليم هي تكوين العقلية والنفسية الإسلامية، فتوضع جميع مواد الدراسة التي يراد تدريسها على أساس هذه السياسة.
والغاية من التعليم هي إيجاد الشخصية الإسلامية، وتزويد النّاس بالعلوم والمعارف المتعلقة بشؤون الحياة، وعليه فيجب تعليم الثقافة الإسلامية في جميع مراحل التعليم.
السياسة هي رعاية شؤون الأمة والدولة في الداخل والخارج، وتكون من الدولة بتطبيق النظام على النّاس ورعاية شؤونهم وقضاء مصالحهم في الداخل، وبمعرفة الموقف الدولي، وسياسة الدول الكبرى والمؤثرة فيه، وبناء علاقات خارجية مع الدول وفق ما يتطلبه حمل الدعوة إلى العالم بالدعوة والجهاد.
وتكون السياسة من قبل الأمة، ومن قبل الأحزاب الموجودة فيها بمحاسبة الحاكم على رعايته لشؤونها، وعلى ما قام به من تصرفات وأعمال، وتقديم النصح له، وبالاهتمام بشؤون المسلمين وأمرهم.
دار الإسلام هي الدار التي تطبق فيها أحكام الإسـلام على جمـيع شـؤون الحـياة، ويكون أمانها بأمان الإسلام ولو كان أكثر أهلها من غير المسلمين.
ودار الكفر هي الدار التي تطبق فيها أحكام الكفر، ويكون أمانها بأمان الكفر، ولو كان جميع أهلها من المسلمين. فالعبرة في الدار من كونها دار إسلام أو دار كفر، بالأحكام التي تطبق فيها، وبالأمان الذي تكون آمنة به وليست العبرة بدين أهلها.
وبلاد المسلمين اليوم لا يوجد فيها بلد، ولا دولة تطبق أحكام الإسلام في الحكم، وشؤون الحياة، لذلك فإنها كلها تعتبر دار كفر، ولو كان أهلها مسلمين.
ولهذا فإن الإسلام يوجب على المسلمين كافة العمل لتحويل ديارهم من دار كفر إلى دار إسلام، وذلك بإقامة الدولة الإسلامية، التي هي دولة الخـلافة، وتنصيب خليفة ومبايعته على أن يحكم فيهم بما أنزل الله، أي أن يطبق عليهم أحكام الإسلام، في البلد الذي تقام فيه دولة الخـلافة، ثم يعملون مع دولة الخـلافة لضم بقية البلدان الإسلامية إليها، وبذلك تتحول إلى دار إسلام ومن ثمّ يحملون الإسلام رسالة إلى العالم بالدعوة والجهاد.
الجهاد هو بذل الوسع في القتال في سبيل الله لإعلاء كلمته، ونشر دعوة الإسلام مباشرة أو معاونة بمال أو رأي، أو تكثير سواد، أو غير ذلك، فالقتال لإعلاء كلمة الله ونشر الإسلام هو الجهاد، وهو فرض، وقد ثبتت فرضيته بالقرآن والسنة، فقد وردت عشرات الآيات والأحاديث الموجبة له.
والجهاد فرض كفاية ابتداء، وفرض عين إن هجم العدو، ومعنى كون الجهاد فرض كفاية ابتداء هو أن نبدأ بقتال العدو وإن لم يبدأنا. فإن لم يقم بالقتال ابتداء أحد من المسلمين في زمن ما أثم كل المسلمين بتركه. ولذلك فليس الجهاد حرباً دفاعية، وإنما هو حرب لإعلاء كلمة الله، ويجب ابتداء لنشر الإسلام وحمل دعوته، ولو لم يهاجمنا الكفار.
علاقة الدولة الإسلامية بغيرها من الدول القائمة في العالم تقوم على الاعتبارات التالية:
1- الدول القائـمـة في العـالم الإسـلامي تعتبر كأنها قائمة في بلاد واحدة، فلا تدخل ضمن العلاقات الخارجية، ولا تعتبر العلاقات معها من السياسة الخارجية، ويجب أن يعمل لتوحيدها كلها في دولة واحدة.
إن المسلمين أمة من دون النّاس، ويجب أن يكونوا وحدة واحدة في دولة واحدة، وكيان واحد. لذلك لا تعتبر العلاقة معهم ضمن العلاقات الخارجية للدول، ولا تعتبر من السياسة الخارجية، بل يجب أن تعتبر من السياسة الداخلية، ولهذا لا تعمل معها علاقات دبلوماسية ولا تعقد معها اتفاقيات، بل يجب العمل على توحيدها جميعها في دولة واحدة في دولة الخـلافة، ولا يعتبر رعايا هذه الدول أجانب إن كانت دارهم دار إسلام، ويعاملون معاملة أفراد رعية دولة الخـلافة، أما إن كانت دارهم دار كفر فيعاملون معاملة رعايا دار الكفر، مع عصمة الدماء والأموال بحقها.
2- الدول التي بيننا وبينها معاهدات اقتصادية، أو معاهدات تجارية، أو معاهدات حسن جوار، أو معاهدات ثقافية، تعامل وفق ما تنص عليه المعاهدات. ولرعاياها الحق في دخول البلاد بالهوية دون حاجة إلى جواز سفر إذا كانت المعاهدة تنص على ذلك، على شرط المعاملة بالمثل فعلاً. وتكون العلاقات الاقتصادية والتجارية معها محدودة بأشياء معينة، وصفات معينة على أن تكون ضرورية، ومما لا يؤدي إلى تقويتها.
وهذه الدول، وإن كان بيننا وبينها معاهدات، إلا أنها تعتبر دولاً محاربة حكماً، وذلك لأن كونهم كفاراً لم يخضعوا لسلطان الإسلام، فإنهم يعتبرون محاربين، لأن الرسول ﷺ يقول: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» [رواه البخاري] فهو عام، ولأن بيننا وبينهم معاهدات فإنهم يعتبرون محاربين حكماً، ولذلك يجب أن تكون المعاهدات ذات مدة محدودة وليست دائمية.
3- الدول التي ليس بيننا وبينها معاهدات، والدول الاستعمارية فعلاً كإنكلترا وأميركا وفرنسا والدول التي تطمع في بلادنا كروسيا، تعتبر دولاً محاربة حكماً، فتتخذ جميع الاحتياطات بالنسبة لها، ولا يصح أن تنشأ معها أية علاقات ديبلوماسية. ولرعايا هذه الدول أن يدخلوا بلادنا، ولكن بجواز سفر وبتأشيرة خاصة لكل فرد ولكل سفرة، إلا إذا أصبحت محاربة فعلاً.
وهذه الدول تعتبر محاربة حكماً، وذلك لأن كونهم كفاراً لم يخضعوا لسلطان الإسلام، فإنهم يعتبرون محاربين، لأن الرسول ﷺ يقول: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ ... الحديث» فهو عام، وأما اعتبارهم محاربين حكما لا فعلاً فلأنه لا يجري قتال فعلي بيننا وبينهم، ولأنه لم تعلن بيننا وبينهم حالة الحرب الفعلية لا من قبلنا ولا من قبلهم، وكما قلنا في البند السابق فلا يجوز عقد معاهدات دائمية معهم.
وإذا أصبحت هذه الدول، كلها أو بعضها، في حالة حرب فعلاً، أي اعتدت على بلاد المسلمين، فإنها تعامل معاملة الحرب الفعلية وفق البند الرابع، ولذلك فإن أمريكا وبريطانيا بعد عدوانهما على العراق وأفغانستان، وكذلك أية دولة أخرى تعلن الحرب على أي بلد من بلاد المسلمين، فإنها تصبح محاربة فعلاً، وتطبق عليها أحكام الحرب الفعلية ما دامت حالة الحرب هذه قائمةً بيننا وبينهم.
4- الدول المحاربة فعلاً (كإسرائيل) مثلاً يجب أن نتخذ معها حالة الحرب أساساً لكافة التصرفات. وتعامل كأننا وإياها في حرب فعلية سواء أكانت بيننا وبينها هدنة أم لا. ويمنع جميع رعاياها من دخول البلاد.
ولا يجوز الصلح الدائم مع هذه الدول المحاربة فعلاً، أي وقف القتال الدائم أو الهدنة الدائمية لأن هذا يُعطل الجهاد، وهو ماض إلى يوم القيامة، كما أن الهدنة الدائمية تمنع نشر الإسلام حتى يظهره الله سبحانه على الدين كله. يقول الله سبحانه: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِير﴾[الأنفال:39]، ويقول الرسـول ﷺ: «وَالْجِـهَـادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَـنِي اللَّهُ إِلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِـرُ أُمَّـتِي الدَّجَّـالَ» [أخرجه أبو داود من طريق أنس ].
أما عن الصـلح المؤقت مع هذه الدول، والـوقـف المـؤقـت لحـالـة الحرب، فإنه ينظر:
أ- إذا كانت الدولة، التي تجري بيننا وبينها الحرب الفعلية، لها أرض غير إسلامية يقوم كيانها عليها، فإنه يجوز الصلح معها بهدنة مؤقتة، أي وقف حالة الحرب معها مدة مؤقتة، إذا كان ذاك الوقف في مصلحة الإسلام والمسلمين، وبشروط يقرها الشرع.
ودليل ذلك صلح الحديبية، فهو كان بين الدولة الإسلامية، الدولة التي أقامها الرسول ﷺ في المدينة، وبين دولة قريش القائم كيانها على أرض لها لم يفتحها الإسلام بعد، أي لم تكن أرضاً إسلامية.
ب- أما إذا كانت الدولة، التي تجري بيننا وبينها الحرب الفعلية، قائماً كيانها كله على أرض إسلامية، أي لا يضم كيانها أرضاً لها لم يفتحها المسلمون بعد، مثل "إسرائيل" دولة يهود المغتصبة لفلسطين، فإنه لا يجوز الصلح معها، لأن قيام هذه الدولة باطل شرعاً، ولأن الصلح معها يعني تنازلاً لها عن أرضٍ إسلامية ولا بدّ، وهذا حرام وجريمة في الإسلام، بل يجب أن تستمر حالة الحرب الفعلية معها قائمة، سواء أكانت هناك هدنة عقدها معها الحكام غير الشرعيين في بلاد المسلمين أم لم تكن.
وهكذا فإن أي صلح مع دولة يهود ولو على شبر من الأرض هو حرام شرعاً، لأنها مغـتصـبـة ومعـتـدية، وكيانها قائمٌ كله على أرض المسلمين، والصلح معها هو تنازل لها عن أرض إسـلامية وتمكـينها من تملكها ومن السيطرة على المسلمين فيها، وهذا لا يجوز شرعاً. والإسلام يحتم على المسلمين جميعاً محاربتها، فتنفر جيوشهم للقتال، وتجـمع القادرين جنوداً فيها، ويستمر ذلك حتى القـضـاء على دولة يهود، واستنقاذ بلاد المسلمين منها، قال تعالى: ﴿وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾ [النساء]، وقال سبحانه: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: 194]، وقال تعالى: ﴿وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ﴾ [البقرة: 191].
5- لا يجوز لدولة الخـلافة أن تعقد اتفاقيات عسكرية مع غيرها من الدول كاتفاقيات الدفاع المشترك، والأمن المتبادل، وما يلحق بذلك من التسهيلات العسكرية، أو تأجير القواعد، أو المطارات أو الموانئ. كما لا تجوز الاستعانة بالدول الكافرة، ولا بجيوشها، ولا أخذ قروض أو مساعدات من هذه الدول.
إن هذه الاتفاقيات يحرمها الإسلام، فيحرم على المسلمين أن يعقدوها مع غيرهم من دول الكفر، لأنه يحرم على المسلم أن يقاتل تحت راية كفر، أو في سبيل كفر، أو عن دولة كافرة، أو أن يجـعل للكافر سلطاناً على المسلمين أو على أرض الإسلام.
وكذلك فإن الرسول ﷺ قد منع المسـلـمـين مـن الاسـتـعـانة بالدول الكافرة، حـيـث نهـى عـن الاستضاءة بنار المشركين لـقـولـه ﷺ: «لاَ تَسْـتَضِـيئُوا بـِنَارِ الْمُشْرِكِينَ» [رواه أحمد]. والنار كناية عن الحرب، وقال: «فَإِنَّا لاَ نَسْـتَعِينُ بـِمُـشْـرِكٍ» [صحيح ابن حبان].
كما لا يجوز للمسلمين أن يضعوا قضاياهم بيد الدول الكافرة لتحلها لهم، كأنّ يضعوا قضاياهم بيد أمريكا أو روسيا، أو بريطانيا، أو فرنسا كي تحلها لهم. لأن الاستعانة بالدول الكافرة وبجنودها، أو بوضع قضايانا بيدها يجعل لهذه الدول جراء ذلك نفوذاً وسيطرة وسبيلاً على المسلمين، وقد منع الله المسلمين من أن يجعلوا للكفار عليهم سبيلاً.
أما عدم أخذ القروض والمساعدات من هذه الدول، فلأن قروضها تكون بفوائد، وهي محرمة لأنها ربا، ولأن هذه القروض والمساعدات وسيلة لإيجاد سيطرة لهذه الدول الكافرة على المسلمين وبلادهم وهذا حرام عملاً بقاعدة (الوسيلة إلى الحرام محرمة).
6- كما لا يجوز للمسلمين أن ينضموا إلى المنـظـمـات الدولية العالمية كهيئة الأمم المتحدة وكالبنك الدولي، وكهيئة التنمية الدولية، لأن هذه المنظمات تقوم على أساس يتناقض مع أحكام الإسلام، وكذلك لا يجوز للمسلمين أن ينضموا إلى المنظمات والأحلاف الإقليمية، كالجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وأحلاف الدفاع المشترك.
إن هذه المنظمات أداة بيد الدول الكبرى، وبخاصة أمريكا، تسخرها لتحقيق مصالحها الخاصة، وهي وسيلة لإيجاد نفوذ الكفار على المسلمين وبلادهم، وذلك لا يجوز شرعاً، لأن الوسيلة إلى الحرام محرمة.
علاوة على أن المنظمات الإقليمية في بلاد المسلمين تقضي بتكريس تجزئة بلاد المسلمين، وتحول دون توحيدها في دولة واحدة.