حكام الفترة الانتقالية في السودان يجهلون معنى السياسة الخارجية والداخلية
أكد رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان، اهتمام الخرطوم بتعزيز علاقات السودان الخارجية وترقيتها، بما يخدم مصالح البلاد العليا. وأكد البرهان أهمية مضاعفة الجهود الدبلوماسية لعكس الوجه المشرق للسودان، وتحقيق المصالح الوطنية العليا. وجدد التزام السودان بالمواثيق والعهود الدولية التي تحكم العلاقات بين الدول، وسياسة حسن الجوار، والمحافظة على الأمن والسلام الإقليمي. (صحيفة الاتحاد 22 حزيران/يونيو 2022م).
كل كلمة قالها البرهان لها فهم معين في الواقع الذي نعيشه المليء بالضعف والذل والهوان والاستسلام، كما أن لهذه العبارات فهماً شرعياً رفع الله به قدر من ترسّم خطا الحبيب محمد ﷺ وعمل بالأحكام الشرعية، فعبارات تعزيز العلاقات الخارجية بما يخدم المصلحة العليا وسياسة حسن الجوار والمحافظة على الأمن والسلام الإقليميين والمواثيق الدولية، مفاهيم سنناقشها بين الواقع والسياسة الشرعية.
فقد انتهج البرهان ومثله حكام المسلمين، السياسة نفسها التي انتهجها الغرب الرأسمالي، والتي أساسها الكذب والخداع والغش وقتل الأبرياء وإحداث القلاقل والصراعات بين الناس من أجل النفعية والمصلحة التي يعتبرونها عليا، وهي مصلحة المتنفذين وحدهم، تلك السياسة التي فُرضت من الغرب بمواثيق دولية، وطبخت للسيطرة على العالم، فهي التي أقامت حروباً عالمية وحصارا غاشما قتلت فيه وشردت الملايين من أجل بترول أو غاز أو ذهب أو غيرها من المعادن، في الوقت الذي تجوع فيه الشعوب لمصلحة تنفيذ إملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين المسخرين لخدمة مصالح الغرب الذي يستبدل حاكماً مكان آخر في بلاد المسلمين.
إن السياسة الغربية المبنية على النظرية الميكافيلية لا يمكن أن تنتج رجال دولة أقوياء أعزاء كما يفعل الإسلام، لأنها سياسة قائمة على النفعية الذاتية وتنعدم فيها أي قيم روحية أو إنسانية أو أخلاقية، لهذا فإن بلادنا أصبحت مرتعا خصبا لإنتاج الذين يبحثون عن منافعهم وكراسيهم.
أما في الإسلام فالسـياسـة هي رعاية الدولة شـؤون الأمة داخلياً وخارجياً بتنفيذ المبدأ الذي تعتنقه الدولة في الداخل، وهذه هي السياسة الداخلية. وأما رعاية الدولة شؤون الأمة خارجياً فهي علاقتها بغيرها من الدول والشعوب والأمم، ونشر المبدأ الذي تعتنقه الدولة إلى العالم، وهذه هي السياسة الخارجية.
إن السياسة التي يعرفها الإسلام هي السياسة التي ترفع الهمم وتجعل العزة والكرامة لمن ينتهجها، السياسة التي تجعل من دولة الإسلام دولة تنتج رجالاً سياسيين أمثال أبي بكر وعمر والمعتصم ومحمد الفاتح، هؤلاء الذين حملوا مسؤولية العالم كله على أكتافهم يوم أن حكموا، وهم خير تلاميذ لرسول الله ﷺ الذي طبق سياسة الوحي فساومه سادة قريش لتركها واستبدال سياسة الواقع بها والانصهار مع الكفر وأهله، فعرضوا عليه أن يكون ملكاً عليهم شرط أن يتركهم وما يعبدون، فرفض رفضا شديدا رغم أن المصلحة بحسب عقول البشر تقتضي أن يذعن، لكنه يعلّم أمته معنى السياسة وممارستها بطريقتها الشرعية. وحين تطلب إحدى القبائل أن يكون لها الأمر من بعده مقابل أن تنصره وتقيم الدين فيأبى رغم أنه في أمس الحاجة لكنه يرفض رفضا قاطعا، وأعلمهم أن الأمر لله يضعه حيث يشاء... وخلفه خلفاء ساروا على نهجه فسادوا الدنيا وحكموها بعدل السماء؛ قال ربعي بن عامر حين دخل على رستم قائد الفرس: "لقد ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام".
أما ما لا يعلمه حكام المسلمين اليوم فهو حفظ العهود والمواثيق الربانية، التي قام بها خلفاء المسلمين في دولة الإسلام، فساد عدلهم على غيرهم من الشعوب، فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئاً بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، وقصة ابن القبطي الذي اعتدى عليه ابن عمرو بن العاص والي مصر معروفة، حيث علم القبطي أن الحاكم لن يظلمه فذهب إلى المدينة من أجل بث شكواه إلى خليفة المسلمين عمر، وقد أنصفه ابن الخطاب رضي الله عنه.
عندما شكل الاستعمار دويلات بلاد المسلمين جعل سياستها الخارجية مبنية على أساس مواثيق الأمم المتحدة التي تتحكم فيها دول الغرب فأصبحت السياسة الخارجية هي قبولاً للاستعمار وخضوعاً لسياساته.
أما السياسة الخارجية في الإسلام فهي أمر جوهري لحفظ كيان الدولة الإسلامية، وأمر أساسي للتمكن من حمل دعوة الإسلام إلى العالم، وهو الأمر الذي من أجله شرع الجهاد، وهو أمر لا بد منه لتنظيم علاقة الأمة بغيرها على أساس الإسلام وليس على أساس المصلحة.
ولما كانت الأمة الإسلامية مكلفة بحمل الدعوة الإسلامية إلى الناس كافة، كان لزاماً على المسلمين أن يتصلوا بالعالم اتصالاً واعياً لأحواله، مدركاً لمشاكله، عالماً بدوافع دوله وشعوبه، متتبعاً الأعمال السياسية التي تجري في العالم، ملاحظاً الخطط السياسية للدول في أساليب تنفيذها، وفي كيفية علاقة بعضها ببعض، وفي المناورات السياسية التي تقوم بها الدول؛ ولذلك كان لزاماً على المسلمين أن يدركوا حقيقة الموقف في البلاد الإسلامية على ضوء فهم الموقف الدولي العالمي لحمل دعوتهم إلى العالم وهو فرض من أجلّ الفروض.
هذا غيض من فيض معاني السياسة الداخلية والعلاقات الخارجية بين الواقع والسياسة الشرعية التي تطبقها دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي آن أوانها وأظل زمانها.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غادة عبد الجبار (أم أواب) – ولاية السودان
#بالخلافة_نقتلع_نفوذ_الكافر