السيسي يضرب الطبول خدمة لأمريكا
استضافت مدينة جدة على البحر الأحمر غربي السعودية، قمة جدة للأمن والتنمية السبت 16 تموز/يوليو، بدعوة من الملك سلمان، شارك فيها قادة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق، بحضور الرئيس الأمريكي بايدن، الذي تحدث عن عدم التخلي عن المنطقة وتعزيز الدفاعات الجوية والإنذار المبكر، وكذلك تعزيز علاقات أمريكا مع دول المنطقة في مجالات اقتصادية وأمنية، ولم ينس الحديث عن جهود (مكافحة الإرهاب).
ثم جاء حديث السيسي، منسجما مع خطاب بايدن في موضوع (الإرهاب)، ومفهوم التطرف، وتحدث عن الهوية الواحدة، وهي الانتماء للإنسانية، وعن الأمة العربية، ممجدا إياها، حيث قال: "نتساءل بشكل مشروع عما لدينا من أدوات وما نقوم به من إجراءات من أجل التصدي لهذه التحديات، وعن مصير الأزمات الممتدة التي تعيشها منطقتنا العربية منذ أكثر من عقد، وآفاق تسويتها... نعمل في مصر على تحقيقه انطلاقا من إيماننا بأن للجميع هوية واحدة وهي الانتماء للإنسانية" (صحيفة المصري اليوم). ثم أضاف قائلا: "لم يعد مقبولا، أن يكون ما بين أمتنا العربية، صاحبة التاريخ المجيد، والإسهام الحضاري الثري، والإمكانيات والموارد البشرية الهائلة، من هو لاجئ أو نازح أو متضرر من ويلات الحرب والكوارث أو فاقد للأمل من غد أفضل". وفي مجال الأمن القومي العربي، قال السيسي: "الكل لا يتجزأ ويجب احترام سيادة الدول"، وأردف قائلاً عن (الإرهاب): "نجدد التزامنا بمكافحة الإرهاب، والفكر المتطرف، بكافة أشكاله وصوره، بهدف القضاء على جميع التنظيمات والمليشيات المسلحة، المنتشرة في عدة بقاع من عالمنا".
من المعلوم أن الفكر لا يوصف بالتطرف بحد ذاته، فالفكرة تقاس بمدى انطباقها على الواقع. فإذا انطبقت يصدر الحكم عليها بأنها فكرة صحيحة تعالج المشكلة علاجا جذرياً، أما الفكرة التي لا تنطبق على الواقع، فهي فكرة فاسدة ولا تصلح بأن تسود فتُنبذ. فلا توجد في الدنيا فكرة متطرفة، وأخرى غير متطرفة، فعندما أطلقت أمريكا كلمة (الإرهاب)، حار العالم واضطرب في تحديد مفهومه وواقعه، فكانت أمريكا تريد أن تدس السم في الدسم فصرفت الكلمة عن واقعها لإشغال العالم.
فالإرهاب لغة يقال: رَهِبَ الشيء رهباً ورهبة أي خافه. وجاء التعريف الاصطلاحي بأنه استخدام الأعمال المادية، لتحقيق عمل ما. إلا أنها تجاوزت ذلك وصنفت الإسلام عقيدة ونظاماً بأنه (دين إرهابي)، فأصبحت الأفكار عند أمريكا لا تقاس بمدى انطباقها على الواقع بل تقاس وفق تحقيق مصالحها! فمثلا قتل الأبرياء في أمريكا، في شوارعها ومدارسها، عبر السلاح المرخص ليس عملاً إرهابياً، فيوصف بأنه جريمة قتل، كما لا يوصف فكر ذلك الشخص بأنه فكر إرهابي.
أما السيسي وإرضاء لأمريكا، فقد جعل من كلمة الفكر المتطرف مادة للنقاش، فما لم تستطع أمريكا قوله، ولا تستقيم صياغته صاغه هو، فتجاوز الاصطلاح والواقع وكل شيء طمعا بالظفر بود أمريكا ورضاها، متجاهلاً قوله سبحانه: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم﴾.
فالسيسي يريد أن يلعب دور دولة قريش وكبرائها، أبيّ بن خلف، والوليد بن المغيرة وأبي لهب وغيرهم، عندما كانوا يحاربون رسول الله ﷺ، ويصدون عن دعوته، ويؤلبون الرأي العام ضده، وقبائل الجزيرة العربية، في فترة الدور المكي وما بعده، عندما أقام رسولنا الكريم ﷺ دولته ظلوا يضربون الطبول للحرب والدعاية المغرضة، والتحريض للقضاء عليها.
فالسيسي يريد أن يلعب ذلك الدور الخبيث بحيث يؤلب حكام الأردن والعراق والسعودية وغيرهم بأن يكونوا عوناً لأمريكا في حربها على ما أسمته بـ(الإرهاب) أي الإسلام، وأن يدق ناقوس الخطر بأنهم غير آمنين في عروشهم والأصل أن يقيموا محاكم التفتيش لشعوبهم، ليظلوا في كراسيهم المعوجة قوائمها ليتحقق لأمريكا ويهود الأمن والاستقرار!
فلا يوجد تفسير لخطاب السيسي غير الكلام المتناقض، وأنه يغرد داخل السرب الأمريكي، وأن الأخوة الإنسانية كلام أجوف لا معنى له، وأن العروبة التي صنعت له تاريخاً براقا قفزاً على الحقائق، وأنه تلفيق وكلام يدحضه الزمان والمكان، فلا العروبة صنعت مجداً، ولا الأخوة الإنسانية صنعت حضارة، فالعرب قبل الإسلام، لم يكن لهم وجود بين الدول، ولا تاريخ لهم غير الحروب التافهة، واليوم كذلك، فأوجه الشبه كاملة الملامح ولا أحد ينكرها، فالسيسي يريد أن يصنع مجداً غير متحقق على أرض الواقع، بل المتحقق هو التخلف والدمار والعار والشنار. فقد باع بدينه عرضا من الدنيا قليلاً؛ تمكين يهود من سد النهضة، وباع النيل هبة مصر بأبخس الأثمان، وزج بأهل مصر في السجون، وجوعهم، فأي مجد وحضارة يتحدث عنها السيسي؟! وأي أمن يريده؟ أمن أهل مصر وأمن الأمة الإسلامية، أم أمنه هو، وأمن أمريكا ويهود؟ وعن أي فكر متطرف يتحدث؟ فأمره واضح، فهو يريد خدمة أمريكا التي تريد أن تنال من الإسلام وأهله ما استطاعت، عبر هؤلاء الحكام التبع، فتكافئه أمريكا بالمكوث في كرسيه المعوجة قوائمه، ومتى استنفد غرضه ستلفظه كما لفظت مبارك من قبل، فهؤلاء لا يتعظون، فإلى متى يركعون؟! قال سبحانه: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الشيخ محمد السماني – ولاية السودان