سياسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

المزج بين الإسلام والديمقراطية كالمزج بين الشَّهد والخمر!

 

قالت الوزيرة السابقة والقيادية بالحركة الإسلامية، سناء حمد العوض، إنهم يطمعون في بلد مستقر وآمن، يحكم عبر نظام ديمقراطي عبر الانتخابات ليختار الشعب بحرية من يريد، وإلى بلد آمن ومستقر العدالة فيه عمياء لا ترى حزباً ولا جهة ولا مالا ولا ملامح ولا صلات، ترى فقط ميزان العدل. (صحيفة السوداني يوم 2022/08/15).

 

هذه التصريحات إنما هي تعبير عما يسمى الإسلام المعتدل وهو ما سارت عليه حكومة الإنقاذ 30 عاما عجافاً في حكم مليء بالظلم وهضم حقوق الناس، حيث طبقت ما يسمى الإسلام المعتدل في حكمها للسودان؛ الديمقراطية بحرياتها العامة ودساتيرهم تنص على ذلك، وهذا لا يعدو كونه تعبيراً عن الأفكار الغربية في أن التشريع للناس وليس لله، ولا شأن للإسلام بشؤون الحياة فهو حصراً على جمعيات تحفيظ القرآن والتهليل والتكبير في مناسبات عامة أما الحكم فما لقيصر لقيصر! وكذلك الأمر في الاقتصاد الذي يضع وصفاته صندوق النقد الدولي الربوي، والنظام الاجتماعي الذي لا يراعي أحكام الإسلام إلا في بعض أحكام الزواج، وسائر ما يسمونه بالحريات العامة طبقوها لإرضاء الغرب الكافر ونبذوا شرع الله وراء ظهورهم.

 

رغم انكشاف ذلك وسقوط حكومة الإسلام المعتدل ها هم أتباعها يفتنون مرة أخرى ويتبنون سياسة الإسلام المعتدل نفسها وهي مفاهيم العلمانية الديمقراطية التي انكشفت وسقطت في معركة الأفكار التي ربحها الإسلام بجدارة، ربحها الإسلام وقد تجلى ذلك في نبذ الناس لهذا النهج ورفضه بشدة واعتباره نفاقا وتدليسا على البسطاء، وها هم العاملون لتحكيم شرع الله يعملون بجد لإفهام الأمة أن قضيتها المصيرية هي الرجوع لدينها وأنه لا بد للإسلام من دولة تنفيذية تطبقه وتوحد أمته وتحمل دعوته، والأمة تُقبل على دعوة الحق، وما هي إلا مسألة وقت حتى ينتصر الإسلام على أنصاف الحلول ويحكم العالم من جديد.

 

إن الإسلام حدد للمسلمين عقلية ثابتة ثبات عقيدتهم؛ أن يرجعوا في كل أمور حياتهم لعقيدة الإسلام العظيم، وما انبثق عنها من أحكام وأفكار ومفاهيم. أما عقلية الإسلام الديمقراطي فهذه عقلية بنيت على فصل الدين عن الحياة، وجعل الدين فردياً يتمثل في مسواك وحجاب ونوافل! أما مخالفة الإسلام في الرضا بالحكم بغيره، والربا والارتباط بالغرب وموالاته، وتبني مفاهيمه عن الحياة التي طبقتها حكومة الإنقاذ، فمهما كانت سيئة ومخالفة لأحكام الإسلام، فهي في نظرهم أمر لا بد منه، وعلى المسلم الصمت حيالها والقبول بها.

 

إن هؤلاء مذهبهم في فهم الإسلام هو إقحامهم لبضاعة الغرب فصل الدين عن الحياة، على الإسلام، وهو ما لا يقبله الإسلام الذي هو وحي من عند الله سبحانه، وفي عجزهم في ظل تحكم الغرب بعلمانيته عن تبني الإسلام كاملاً احتالوا على هذا الواقع بدلاً من تغييره بقواعد فقهية ما أنزل الله بها من سلطان، وهي في الحقيقة قواعد الغرب الفكرية العلمانية وإلباسها لبوس الإسلام، لقد بات ديدن القوم وجديدهم هو ما أنتجه الغرب قديماً وحديثاً، فأعرضوا بذلك عن الحق وأقبلوا على ديمقراطية الغرب الرأسمالي الكافر.

 

إن الديمقراطية هي نقيض الشريعة التي تُتلقى من الوحي، فالديمقراطية نظام سياسي يؤلّه (أي يجعله إلها) الشعب، إذ يجعل له السيادة ويجعله مصدرا للسلطات في الدولة، ومن ضمنها السلطة التشريعية التي تسنّ الدساتير والقوانين، أما الإسلام فجعل السلطة التشريعية للوحي، تستمد الدساتير والقوانين حصريا من نصوصه فقط عبر فهم شرعي يقوم به المجتهدون لا المشرعون الوضعيون، ولذلك حدد الإسلام السيادة للشرع لا للشعب، وهذا تناقض صارخ بين الإسلام والديمقراطية بحيث لا يكون السياسي ديمقراطيا إلا إذا "تنكر للإسلام"، وتمرد على نصوص الوحي التي تأمر بالاحتكام لشرع الله ونبذ ما دونه.

 

قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيداً﴾. إن هذه الانزلاقات الفكرية هي التي جعلت الحركات المسماة إسلامية تقبل تحريفات الغرب لمفاهيم الإسلام ومعاييره في ما أسموه الإسلام المعتدل الذي يرضاه الغرب ويرتضيه منها حتى يسمح لها بمزاولة الحكم، وقد كشفت عن تلك المعايير مؤسسة راند الأمريكية في تقريرها المعنون "بناء شبكات إسلامية معتدلة" لعام 2007 والذي استغرق إعداده ثلاث سنوات لوضع استراتيجيات الغرب المتبعة في حربه الحضارية مع الإسلام وسعيه لتحريف مفاهيمه بأدوات داخلية محلية، طبقا لما نص عليه تقرير سابق للمؤسسة ذاتها لعام 2004 تحت عنوان "الإسلام المدني الديمقراطي... شركاء وموارد واستراتيجيات"، تلك المعايير هي: القبول بفكرة الديمقراطية، والقبول بالمصادر الوضعية في تشريع القوانين، ورفض تطبيق الشريعة، ونبذ الإرهاب والعنف، والدعوة لاستخراج النصوص الشرعية من التراث الإسلامي لدعم هذا الفكر (الإسلام المعتدل)، واحترام حقوق النساء الدولية والأقليات الدينية! وفي تبنيها لهرطقات الغرب طفح إلى السطح ذلك الوسم المقيت الذي وصفت هكذا جماعات به نفسها وعبرت هذه القيادية من الحركة الإسلامية المعتدلة عنه بتبنيها للديمقراطية بوصفها وجهة نظر في الحكم.

 

إن أي محاولة لمزج الديمقراطية بالإسلام هي محاولة فاشلة ولن تنجح أبداً، فالديمقراطية ليست التشارك في آلية الانتخابات كما يزعم هؤلاء، بل هي نظام حكم وخضوع لغير الله، ومحاولة المزج بين الإسلام والديمقراطية هي محاولة سطحية كمحاولة مزج الخمر بالعصير.

 

أما اعتبارهم الشورى كأنها النظير للديمقراطية، فهذه قفزة فوق ذلك المفهوم الإسلامي ومدّه خارج حدوده المصورة فقط في بيان رأي للخليفة حول مسألة عملية لا حول قضية تشريعية، وأي تشبيه للشورى بالديمقراطية هو حصر خاطئ للديمقراطية في مجرد التعبير عن الرأي وتناسي مفهومها الأساس بأنه "حكم الشعب للشعب بالشعب" أي تشريع بشري بنظام بشري لحكم الشعب، فالديمقراطية نظام حكم متكامل في حين إن الشورى حكم شرعي في ظل نظام الإسلام؛ الخلافة.

 

إذًا فكل محاولات "الإسلام المعتدل" للتجمل بالديمقراطية أثناء حالة المغازلة مع الغرب لقبول أصحابها في اللعبة الديمقراطية هو تجاوز فكري وسياسي، وقفز على معطيات العقل والشريعة معا في فهم الإسلام وفي الحكم على طبيعة الديمقراطية الغربية، وهو انتحار سياسي وفشل ذريع.

 

إنا لنرجو من إخواننا في الحركات الإسلامية أن ينقوا أفكارهم من حضارة الغرب ورجسها، وأن يجعلوا من استئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة هدفاً لها، يصلون إليه بالسير على خطا النبي ﷺ، أول من أقام دولة على أساس الإسلام، وذلك هو الفوز العظيم.

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

غادة عبد الجبار (أم أواب) – ولاية السودان

آخر الإضافات