الرئيس الفرنسي ماكرون يبحث عن حل للأزمة الاقتصادية التي تؤثر على أوروبا في المكان الخطأ
في إشارة إلى صورة متشائمة للفترة المقبلة، أشار ماكرون إلى أن "عصر التهور والإسراف والوفرة" قد انتهى، وأن على الحكومة اتخاذ إجراءات ضده. وحول الأحداث العالمية في السنوات الأخيرة والإجراءات الواجب اتخاذها ضدها قال ماكرون: "ما نشهده هو أشبه بتغيير كبير واضطراب وليس نظاماً... نحن نعيش في نهاية ما كان ينظر إليه على أنه وفرة لسنوات: منتجات رخيصة لا تنتهي ووفرة تكنولوجية وتربة ومواد خام ومياه". وشدد على أن حقبة جديدة قد بدأت في فرنسا وأوروبا وحث الحكومة على الانفتاح واليقظة والوفاء بالتزاماتها على أساس أن هذا الوضع سيسبب القلق بين الناس. وجادل بأن الأنظمة غير الليبرالية آخذة في الصعود وأن الأنظمة الاستبدادية تزداد قوة.
كان العالم يعيش في دائرة الإحراج الاستعماري الذي نشطت فيه دول أوروبا الغربية منذ هدم دولة الخلافة؛ لأن المستعمرين تركوا الأنظمة الديكتاتورية مكانهم ليظل نفوذهم في المناطق التي احتلوها وخاصة في البلاد الإسلامية. على الرغم من التأكيد على ما يسمى بالديمقراطية وحقوق الإنسان، استمرت القوى الغربية الرأسمالية في دعم الأنظمة الاستبدادية والانقلابية والديكتاتورية في مناطق خارج أراضيها طالما أنها تخدم مصالحها الخاصة. لكن عندما تتغير مصالحهم يبدؤون هذه المرة في قلب الأنظمة التي يؤيدونها بخطاب مصطنع مثل "إسقاط الطغاة ونشر الديمقراطية". في واقع الأمر فإن احتفاظ فرنسا بالاحتياطيات الوطنية لـ14 دولة أفريقية مثل بنين وبوركينا فاسو وغينيا بيساو وساحل العاج ومالي والنيجر والسنغال وتوغو والكاميرون وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد والكونغو برازافيل، وغينيا الاستوائية والجابون منذ عام 1961، هو أقوى دليل على وحشيتها الاستعمارية. حتى وصل الاستعمار الشنيع لهذه البلدان إلى مستوى جعلها تستثمر احتياطياتها من العملات الوطنية في البنك المركزي الفرنسي. وبالتالي يُذكر أن الخزانة الفرنسية تدر ما يقرب من 500 مليار دولار من الأرباح والعوائد من أفريقيا سنوياً.
فلماذا تتحدث فرنسا عن نهاية عصر الوفرة وتحذر الحكومة من هذا الموضوع رغم أنها تستغل ثروات هذه الدول وتحقق مداخيل ضخمة على حساب شعوبها التي في حالة فقر إلى درجة الموت؟!
الجواب على ذلك يكمن في النظام الرأسمالي الذي تبنته فرنسا نفسها. ففي ظل الرأسمالية يحتكر الشركات والصناعات والاستثمارات عدد قليل من الأفراد الجشعين الذين تتمثل رغبتهم الوحيدة في تجميع الثروة بغض النظر عن القيم الإنسانية. هذا هو السبب في أن مخالب الرأسمالية تمزق كل حياة الغالبية الفقيرة. بينما تحتفظ هذه النخبة الرأسمالية النهمة والوحشية بهذه الثروة بأيديها عندما يكون اقتصاد البلاد في حالة تدهور، تبدأ الحكومة على الفور في فرض ضرائب باهظة على كل منتج وخدمة أساسية. لذلك بما أن كل شخص يحتاج إلى سلع وخدمات في حياته اليومية، فإن الضرائب تنعكس بشكل مباشر على أهل البلد وهذا يزيد من ضغوط الحياة على الناس.
علاوة على ذلك يمكننا القول إن الحكومة لا تفرض ضرائب على أموال الأغنياء بل تجعل الضرائب عبئاً على الفقراء فقط. لأنه عندما تكون هناك ضريبة على الشركات يتخلص أصحاب الشركات الأثرياء من هذه الضرائب عن طريق إصدار فواتير نايلون. وهكذا بينما تدور الثروة بين قلة من الناس في النظام الرأسمالي، يخدم الناس مثل العبيد الذين لا يستطيعون حتى تلبية احتياجاتهم الأساسية. يتجاهل ماكرون هذه الممارسة الرأسمالية الفاسدة المثيرة للاشمئزاز، ولا يزال يدعو الحكومة إلى الانفتاح واليقظة والوفاء بالتزاماتها على أساس أن هذا الوضع سيثير القلق بين الناس. لكن ماكرون يجب أن يعرف بأن هذه الممارسة الرأسمالية الفاسدة المناهضة للطبيعة البشرية، عفا عليها الزمن وتوشك على الانهيار. بالتأكيد لن يوقف النهاية الحتمية هذه.
أما دفاع الرئيس الفرنسي عن صعود الأنظمة غير الليبرالية وتقوية الأنظمة الاستبدادية؛ فكما ذكرت في البداية كانت الدول الغربية وخاصة فرنسا هي التي زرعت مكانها أنظمة دكتاتورية حتى يستمر نفوذها في المناطق التي احتلتها. لذلك فإن ما يعنيه ماكرون بالنظام الاستبدادي هو نظام الحكم في الإسلام الذي سيحسده العالم كله بما في ذلك الغرب ودمجها في أسرع وقت ممكن، وأحكام الشريعة التي تقدم حلولاً جذرية للمشاكل الاقتصادية وغيرها. ولكن بغض النظر عن مدى صعوبة محاولات ماكرون ومدى التحذير منه فلن يتمكن أبداً من منع الإسلام من الوصول إلى الحكم؛ لأن الإسلام أسلوب حياة متكامل ولديه نظام اقتصادي فريد.
في الواقع يقوم الاقتصاد الإسلامي على ركائز ثلاث: طرق التملك والإنفاق والتوزيع. المشكلة الاقتصادية في نظام الإسلام ليست هي في نقص السلع والخدمات بل في التوزيع نفسه. وبهذا المعنى فإن حل المشكلة الاقتصادية لا يكمن في إنتاج السلع بل في توزيع السلع الموجودة. وخير مثال على ذلك الأراضي الإسلامية ومنها الدول الأفريقية التي استغلتها فرنسا. لأن الأراضي الإسلامية فيها ثروات هائلة تحت الأرض وفوق الأرض، ولكن بسبب سياسات التوزيع السيئة، بينما يتضور الناس جوعاً ويعانون من الفقر في كثير من الأماكن، يتم إلقاء بعض الأطعمة في حاويات القمامة! لذلك لا ينشأ الفقر من القدرة الإنتاجية للسلع ولكن من سياسة التوزيع التي تلبي الاحتياجات الأساسية للأفراد. لهذا السبب فإن الإسلام، على عكس الرأسمالية يحرم الكنز والاحتكار. قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾.
نتيجة لذلك فإن الأزمة الاقتصادية التي يشهدها العالم هي في الواقع مؤشر واضح على فشل النظام الاقتصادي الرأسمالي. لذا حان الوقت للاستجابو لدعوة التغيير الجذري؛ لأن هذه الدعوة ستقود الناس إلى الخلاص في الدنيا والآخرة. هذا التغيير الجذري هو دعوة للإسلام؛ لأن الإسلام هو المبدأ الوحيد الذي فيه أنظمة اقتصادية وسياسية واجتماعية حقيقية. لذلك فإن قيام دولة الخلافة في إحدى البلاد الإسلامية سيوجه البشرية جمعاء في كل مناحي الحياة. إن فرنسا والدول الرأسمالية الأخرى إذا دخلت بلداً فإنها تعمل على تدميره وذبح شعبه ونهب ثرواته، بينما الإسلام والمسلمون يدخلون لإعادة بنائه وتحويله إلى جنة وتكريم شعبه. لذلك عند إقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة سترد على ماكرون وأمثاله، "الرد ما تراه لا ما تسمعه"، وسوف تنكشف أمام شعوبهم ممارساتهم الوحشية ضد المسلمين وغيرهم ولن يكون لديهم عين للنظر إلى الإنسانية بما في ذلك شعوبهم.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رمضان أبو فرقان