الجنرال المدني سفيرٌ برتبة حاكم!!
التقى السفير الأمريكي في الخرطوم جون جودفري، الجمعة، قادة لجان المقاومة مؤكدا لهم إصرار بلاده على حكومة مدنية. وبدأ جودفري بعقد لقاءات مع الأطراف المناهضة للانقلاب، كما التقى أمهات أربعة من شهداء الثورة. وقال السفير، في تصريح نشره على حساب السفارة في فيسبوك، إنه "سمع اليوم من أعضاء لجان المقاومة من جميع أنحاء السودان". وأضاف: "تحدث المنظمون الشجعان للحركة الاحتجاجية بقيادة الشباب عن التحديات التي يواجهونها والتزامهم باستعادة الطريق إلى الديمقراطية". وأشار إلى أن الولايات المتحدة تواصل إصرارها على حكومة جديدة بقيادة مدنية لتحقيق الحرية والسلام والعدالة.
وقال جون جودفري في رسالة إلى الشعب السوداني: "حان الوقت لتأسيس حكومة مدنية تتمتع بالمصداقية، توطئة لاستئناف الشراكات مع المجتمع الدولي وتعافي السودان من أزماته السياسية والاقتصادية والأمنية والإنسانية التي يواجهها في الوقت الراهن". وأعلن عن تشجيعه الأطراف السودانية لإجراء حوار شامل لتأسيس حكومة مدنية واستعادة الانتقال، مطالبا المؤسسة العسكرية بالابتعاد عن الشأن السياسي بعد التوصل إلى حكومة مدنية وفقاً لالتزامها المعلن. والتقى السفير الأمريكي لدى الخرطوم جون جودفري وكيل وزارة الخارجية المكلف دفع الله الحاج، وأكد السفير الأمريكي ضرورة العمل مع جميع أطراف العملية السياسية السودانية لتقريب وجهات النظر لتشكيل حكومة مدنية.
وفي أول زيارة له خارج الخرطوم وصل جودفري إلى الفاشر صباح السبت 2022/9/10، يرافقه أعضاء من الكونغرس الأمريكي ومسؤول المعونة الأمريكية ميرفن فيرو. وفور وصوله عقد اجتماعا مع والي شمال دارفور نمر محمد عبد الرحمن برئاسة حكومة الولاية لبحث قضايا النازحين والاستقرار الأمني بالولاية. وأفاد مصدر حكومي حسب موقع سودان برس، أن برنامج زيارة السفير إلى الولاية تمتد لثلاثة أيام يزور خلالها مخيم زمزم للنازحين بمدينة الفاشر ويلتقي بالمنظمات والهيئات الدولية، بجانب لقائه مع قادة الإدارة الأهلية ولجان المقاومة وزيارة إلى جامعة الفاشر.
منذ وصول السفير الأمريكي لم يقم بمهمة السفير، كما هو معلوم للجميع ما هو عمل السفير، بل باشر عمل الحاكم الفعلي للبلاد؛ فالتقى بمن شاء من حكام ومعارضة ولجان مقاومة وأمهات شهداء، بل وسافر إلى الفاشر واجتمع مع الوالي وبحث قضايا النازحين.
لا غرابة أن يصبح بلد مثل السودان في ظل الحكام العملاء كأنه ولاية أمريكية، فأي هوان هذا، وأي ذل أن تخضع البلاد بأكملها لسياسته، والحكام يؤدون فروض الطاعة صاغرين؟! وليت الأمر مجرد زيارة، بل أمرهم كيف سيحكم السودان من خلال حكومة برئاسة مدنية! والسؤال هو: هل يستطيع سفير السودان في أمريكا أن يزور نيويورك أو كاليفورنيا ويصدر التعليمات لأهلها كما يقوم به هذا العلج في السودان؟
إن قوة الدولة في قوة حكامها وسياسيّيها، فحينما كانت لنا دولة لم يتجرأ علينا أمثال هؤلاء، يسرحون في البلاد يمنة ويسرة بلا حسيب ولا رقيب، بل يُملون على الحكام الرويبضات أوامرهم وتعليماتهم. أما في دولة الخلافة فحتى في أشد حالات ضعفها لم يتجرأ علينا أحد، ويلغي دور الحاكم ويباشر هو بنفسه عمل الحاكم.
عندما كانت لنا خلافة كانت الدول هي التي تطلب سفراء الخلافة ليعرفوهم عن الإسلام، ففي سنة (309هـ-921م) خرجت من بغداد بعثة دبلوماسية بتكليف من الخليفة العباسي المقتدر بالله متجهة إلى أرض الصقالبة تلبية لطلب ملكها ألموش بن يلطوار للتعرف على الإسلام، وعلى رأس البعثة الفقيه والأديب والمؤرخ أحمد بن فضلان الذي تميز إلى جانب سعة علمه، بقوة الملاحظة والقدرة على التحليل والحوار.
وكانت الدولة الإسلامية تظهر قوتها وجبروتها لهؤلاء السفراء لينقلوا ما رأته أعينهم إلى دولهم. وصف ابن خلدون استقبال عبد الرحمن الناصر لرسول إمبراطور القسطنطينية فقال: "ركبت في ذلك اليوم العساكرُ بالسلاح في أكمل شكة، وزين القصر الخلافي بأنواع الزينة وأصناف الستور، وجُمّل السرير الخلافيّ بمقاعد الأبناء والإخوة والأعمام والقرابة، ورتب الوزراء والخدمة في مواقفهم، ودخل الرسل فهالهم ما رأوه، وقُرّبوا حتى أدوا رسالتهم، وأُمر يومئذ الأعلام أن يخطبوا في ذلك الحفل، ويعظموا من أمر الإسلام والخلافة، ويشكروا نعمة الله على ظهور دينه وإعزازه، وذلة عدوه، فاستعدوا لذلك، ثم بهرهم هول المجلس فوجموا، وشرعوا في القول فأُرتج عليهم، وكان فيهم أبو علي القالي وافد العراق، كان في جملة الحكم ولي العهد وندبه لذلك استئثارا بفخره، فلما وجموا كلهم قام منذر بن سعيد البلوطي من غير استعداد ولا روية وما تقدم له أحد بشيء من ذلك، فخطب واسحنفر وجلى في ذلك القصد، وأنشد شعرا طويلا ارتجله في ذلك الغرض".
نعم هذا هو الفرق بين الدول الوطنية العميلة الذليلة والحقيرة، وبين دولة العزة والكرامة دولة الخلافة.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الخالق عبدون علي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان