احتفال الحوثيين بالمولد النبوي
موسمٌ مالي كبير وعمل سياسي خطير
قام الحوثيون بحشد الكثير من الناس في صنعاء والمدن الأخرى في مناطق سيطرتهم يوم السبت الثاني عشر من شهر ربيع الأول 1444هـ، لإحياء ذكرى المولد النبوي التي يقيمونها كل عام بحجة تعظيم الرسول الأكرم ﷺ استجابة لقول الله تعالى: ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾. حيث يرون أن من توقير الرسول ﷺ وتعظيمه الاحتفال بمولده، وهو فهم لا ينطبق على واقعه، فتوقير الرسول ﷺ وتعظيمه يعني التقيد بمنهاجه واتباع كل ما جاء به والالتزام بكل أحكام القرآن والسنة، وهذا ما لا يتحقق في الحوثيين، فهم يحكمون بالعلمانية كغيرهم من حكام المسلمين رغم ادعائهم أنهم أنصار الله، وأن مسيرتهم قرآنية تتسم بالثقافة القرآنية!
إن الحشود الكبيرة التي جمعها الحوثيون في احتفالهم بالمولد النبوي تعكس مدى حب أهل اليمن للإسلام ونبيه الكريم محمد ﷺ والتي لا يمكن أن يجمعوا مثلها في فعالياتهم الأخرى مهما بذلوا من جهود، وأن تلك الحشود التي جمعوها سبق التحضير والإعداد لها من قبل أكثر من شهر لحث الناس على الحضور إلى أماكن الاحتفال، فقد شحذوا همم علمائهم وخطبائهم للتأثير على الناس لحشدهم للمناسبة، فقاموا بالندوات والمحاضرات والدروس بشكل مكثف ومستمر حتى يوم المناسبة، كما استغلوا خطب الجمعة للغرض نفسه مؤكدين على أن محبة الرسول ﷺ وتعظيمه تكمن في حضور الاحتفال بمولده! وحركوا المؤثرين من الناس كمشايخ القبائل وعقال الحارات للعمل على تحشيد الناس للمناسبة، كما قاموا بجمع الأموال الطائلة من التجار من أجل تغطية نفقات الفعالية.
إن المدقق في هذه الفعالية يظن في بداية الأمر أن حب الحوثيين للرسول حب صادق، وأنهم ممن يقتدي به ويقتفي أثره ويتقيد بمنهاجه وأنهم قد أقاموا دولته التي تحكم بالإسلام في كل مناحي الحياة! ولكن بعد النظر في أعمالهم وأفعالهم المخالفة لأحكام الإسلام وظلمهم للناس وإرهاقهم بالضرائب والمكوس وخنقهم بالأزمات وجمع الزكاة منهم دون مراعاة لاكتمال النصاب وحلول الحول، وسوء رعايتهم في مختلف جوانب الرعاية في الصحة والتعليم والكهرباء والمياه وغيرها، يدرك أن احتفالهم بالمولد النبوي وصراخهم اليومي (لبيك يا رسول الله) إنما هي مظاهر خداعة وشعارات براقة، وأنهم يحكمون بالعلمانية كمن سبقوهم، وأن أحكام الإسلام غائبة عن واقع حياة الناس، بل أكثر من ذلك فإن الحوثيين كغيرهم من الحكام العملاء الظلمة يحاربون عودة الخلافة حربا لا هوادة فيها تحت ستار (الحرب على الإرهاب) التي تتزعم قيادتها سيدتهم أمريكا. وهم يرفعون شعار "الموت لأمريكا" لتغطية عمالتهم لها حتى يوهموا الناس أنهم أعداء لها!
وللتأكيد على أن الحوثيين أبعدوا الإسلام عن حياة أهل اليمن وأنهم يحكمون بالعلمانية سوف نستعرض بإيجاز ركائز الدولة الإسلامية التي تقوم على أساس العقيدة الإسلامية وتطبق الأحكام الشرعية المنبثقة عنها؛ تلك الركائز هي نظام الحكم والنظام الاقتصادي والقضاء والتعليم والسياسة الخارجية.
أولا: نظام الحكم في الإسلام:
إن نظام الحكم في الإسلام ليس ملكيا ولا جمهوريا ولا اتحاديا ولا إمبراطوريا ولا بوليسيا، وإنما هو نظام خلافة راشدة على منهاج النبوة يقوم على أربع قواعد هي:
أ- السيادة للشرع.
ب- السلطان للأمة.
ج- بيعة خليفة واحد للأمة فرض على المسلمين.
د- للخليفة وحده حق تبني الأحكام الشرعية.
ونظام الحكم لدولة الحوثيين ليس خلافة، بل هم يحاربون الخلافة ضمن قطار الحرب على الإسلام الذي تقوده أمريكا صانعة الإرهاب، وهم في المقابل يحكمون بالعلمانية ورؤيتهم الوطنية لبناء الدولة الحديثة دليل قاطع على علمانيتهم وحكمهم بالعلمانية، فهي تنص بشكل واضح وصريح في أغلب صفحاتها على أن السيادة للشعب وأن الشعب مصدر السلطات وأن المشرع هو الإنسان عن طريق مجلس النواب.
ثانيا: النظام الاقتصادي:
النظام الاقتصادي في الإسلام نظام متميز عن سائر الأنظمة الاقتصادية الأخرى فقد بين حيازة الثروة وتملكها وكيفية توزيعها ومنع تملكها عن طريق الربا والقمار والغش والاحتكار، فالربا محرم في الإسلام تحريماً مغلظاً، قال تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾، والبنوك الربوية عند الحوثيين تتعامل بالربا وتحارب الله جهاراً نهاراً.
ثالثا: القضاء:
القضاء هو الإخبار بالحكم الشرعي على سبيل الإلزام فلا مكان للقانون الوضعي في القضاء مطلقاً، بل جميع الأحكام والقوانين التي تفصل الخصومات بين الناس هي حصرا أحكام شرعية، وكذلك جميع الأحكام والقوانين التي تفصل الخصومات بين الدولة والناس هي أحكام شرعية، وكذلك الأحكام التي يحكم بها قاضي الحسبة هي أحكام شرعية. أما قوانين القضاء عند الحوثيين فكثير منها هي قوانين وضعية مع وجود بعض الأحكام الشرعية في القضاء، ومعلوم أنه لا يجوز أن يكون هناك حكم وضعي في القضاء أو في غيره من غير الإسلام. قال تعالى: ﴿وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾، حيث إن كلمة بعض في اللغة تشمل حكماً واحداً على الأقل.
رابعا: التعليم:
الهدف من التعليم هو إيجاد الشخصية الإسلامية التي تتمتع بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية فتفكر على أساس الإسلام وتشبع الحاجات والغرائز على أساس الإسلام فيكون الإسلام هو أساس التفكير والميول للمتعلم. أما الهدف من التعليم في الأنظمة الوضعية كلها؛ جمهورية كانت أو ملكية... فهو إيجاد الشخصية الوطنية التي تجعل التراب مصدر التشريع وليس القرآن والسنة وإجماع الصحابة والقياس الشرعي، فهي شخصية تكرس التمزق والانقسام والتشرذم بين المسلمين وتقدس أفكار الوطنية التي صنعتها اتفاقية سايكس بيكو، وهذا يناقض الوحدة بين المسلمين التي أوجبها الله على المسلمين في كتابه الكريم في قوله تعالى: ﴿وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾.
خامسا: السياسة الخارجية:
العمل الأصلي للدولة الإسلامية هو حمل رسالة الإسلام إلى العالم بالدعوة والجهاد، فمهمتها هي إخراج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام، والدول القائمة في العالم الإسلامي ومنها الحوثيون ليس لها رسالة في الحياة سوى تطبيق أنظمة الكفر على المسلمين.
فهذه الركائز الخمس التي ذكرناها تبين بشكل واضح لا غموض فيه أن الحوثيين سلطة علمانية تحكم بقوانين وضعية يحرم تطبيقها لقوله تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾.
لذلك فالاحتفال بالمولد النبوي الذي أقامه الحوثيون يهدف إلى أمرين هما:
1- جمع الأموال من الناس وخاصة التجار لتكون من واردات الدولة والتي تفوق واردات النفط لبعض الدول فهم يحصدون الأموال الطائلة التي تصل إلى مليارات، فهو بالنسبة لهم موسم مالي كبير ينتظرونه بفارغ الصبر.
2- إضفاء صفة الحق والعدل على سلطة الحوثيين وصبغها بالصفة الإسلامية وأنها تحكم بالقرآن وأنها التي تسير على منهاج الرسول ﷺ، وهذا يجعل الناس يسمون الأشياء بغير مسمياتها ويمنحونها من الصفات ما ليس لها. وهذا يذهب قداسة الإسلام ومكانته العظيمة في قلوب المسلمين، فينظرون إلى رعاية الحوثيين السيئة للناس وما أوجدته من أزمات ومشاكل وحروب وفتن وسفك دماء وفقر ومجاعة وبطالة أنها من الإسلام فيكرهونه، وهذا خطر عظيم؛ فالاحتفال بالمولد النبوي هو موسم مالي كبير وعمل سياسي خطير.
إن مولد الرسول ﷺ هو مولد أمة ومولد دولة فقد ولدت بميلاده ﷺ أمته التي تجاوز عمرها اليوم 14 قرناً، كما ولدت دولته في المدينة المنورة وظلت تنشر الخير والعدل في ربوع العالم 13 قرناً من الزمن حتى هدمها الكفار بقيادة بريطانيا فتمزق شمل الأمة الإسلامية.
إن الفهم الصحيح لمولد الرسول ﷺ هو إقامة دولته والحكم برسالته والسير على منهجه والربط بين كتاب الله وسنته ربطاً محكماً غير قابل للانفصال، وأن هذا الأمر ممكن الوصول إليه بالعمل لإقامة الخلافة الراشدة مع حزب التحرير الذي يمتلك مشروعها ويفهم طريقة الوصول إليها، ويصل شبابه ليلهم بنهارهم لتحقيق هذه الغاية العظيمة التي بها يُحكم بالإسلام في جميع شؤون الحياة، وتطبق رسالته التي أتى بها رسول الله ﷺ من الوحي والمتمثلة في القرآن والسنة، فيسود العالم كله الخير والعدل والعلم النافع، وتعم الرحمة الأرض كلها. قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حاشد قاسم – ولاية اليمن