مدونة السلوك الوظيفي التي يسعى الحوثيون لفرضها على الموظفين هي صك عبودية
أطلق الحوثيون الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة عام 2018م بعد تفردهم بالسلطة لتؤكد أنهم برأسين؛ الأول يخاطب الأتباع والبسطاء ليدغدغ مشاعرهم بالثقافة القرآنية لتكوين جماعة جهادية ليكونوا وقودا للمعارك من أجل تثبيت سلطتهم وتحقيق المكاسب السياسية لهم. وأما الثاني فهو الذي يخاطب الدول، وهو الذي يمثل حقيقة الحوثيين؛ فهم جماعة علمانية تسعى عبر السلطة إلى تطبيق العلمانية بحذافيرها. ونظرة فاحصة لبنود هذه الرؤية نجد أنها رؤية علمانية تكرس فكرة الوطنية التي نجح الكافر المستعمر من خلالها بتمزيق جسد الأمة الإسلامية الواحد إلى أشلاء والمحافظة على هذا التمزق والانقسام إلى يومنا هذا.
كما أنها ركزت في أغلب بنودها على أن المشرع هو الإنسان، فهو الذي يحلل ويحرم، وهو الذي يحدد الفعل الحسن والفعل القبيح؛ وهذا تطاول على الله عز وجل ومنازعته في الألوهية فهو الإله الواحد الأحد الفرد الصمد، وهو وحده المشرع الذي يحلل ويحرم، وهو الذي يحدد الفعل الحسن والفعل القبيح، وهو وحده الذي يجب أن تنحني له الهامات وتنثني له القامات وتسجد له المخلوقات، قال تعالى: ﴿أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾ والأمر هو التشريع.
وقد تضمنت هذه الرؤية إلى جانب التشريع الوضعي في مختلف الجوانب كيفية تنفيذها في الواقع العملي، فقد تم تكوين لجنة عليا لتنفيذها وقد أصدر القطاع الإداري للجنة العليا لإدارة الرؤية مدونة السلوك الوظيفي وأخلاقيات العمل في وحدات الخدمة العامة وهي مجموعة من القيم والقواعد السلوكية والأخلاقية والمهنية الملزمة لجميع الموظفين في جميع وحدات الخدمة العامة، والإطار المرجعي للمدونة قسمان:
الأول: المرتكزات الأساسية، وهي القرآن الكريم والهدي النبوي وعهد الإمام علي رضي الله عنه لمالك الأشتر ودروس ومحاضرات وخطابات الحوثي والهوية الإيمانية والآداب والأخلاق الإسلامية.
القسم الثاني: المراجع، وهي الدستور اليمني والقوانين والأنظمة ذات العلاقة، وثيقة الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية، واللوائح والعرف الإداري، والعادات والتقاليد الحميدة، ومدونات بعض الدول العربية.
وواضح من خلال الإطار للمدونة أن التشريع فيها هو للبشر وإن أوردت القرآن الكريم والهدي النبوي كمرتكزات أساسية لها فهو لذر الرماد في العيون، والمدونة تربط بين مدى الالتزام بأحكامها وقوانينها وإجراءات تقييم أداء الموظفين في أي موقع إداري، كما تهدف إلى المساءلة وتطبيق قانون الثواب والعقاب فيما يتعلق بالالتزام من عدمه بالمدونة، كما تسعى إلى إلزام الموظفين بتوقيع تعهد خطي بالالتزام بقوانينها وما جاء فيها من أحكام، ويحفظ ذلك في ملف الموظف كما جاء ذلك في أحد بنودها تحت عنوان ضمانات تطبيق المدونة والذي ينص على: (يقوم جميع الموظفين بتوقيع تعهد خطي بالالتزام بما جاء في المدونة وحفظه في ملف الموظف).
ويشمل التعهد الالتزام بما جاء في المدونة وأن يتحمل الموظف كامل المسئولية والإجراءات التأديبية المترتبة على مخالفتها، ولذر الرماد في العيون فإنها قد تضمنت آيات قرآنية في بعض صفحاتها، وعلى سبيل المثال فقد ورد في فصل المبادئ والقيم عند الحديث عن المبادئ الأساسية في أداء المسئوليات ذكر أن العبودية لله وإقامة القسط والتولي لله عز وجل ورسوله والمؤمنين، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنواْ الَّذِينَ يُقِيمونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾.
وكذلك ورد الحديث عن القيم في أداء المسئوليات مع أدلتها من القرآن ومنها الرحمة والحكمة والرشد والإخلاص والإحسان والصبر والورع والصدق والأمانة والحلم والتواصي بالحق والتواصي بالصبر والعمل الجماعي والشورى والإتقان وإصلاح ذات البين واستشعار الرقابة الإلهية والإنصاف والبذل والتضحية والعفة والحشمة والوفاء بالعهد، ﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ﴾ والتكريم للإنسان، ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾.
وقد ذكروا على ما سبق أدلة من القرآن الكريم لإيهام القارئ أنها وثيقة شرعية لا تخالف الإسلام لتحريك مشاعر الموظفين نحوها فيسارعوا إلى التعهد بالالتزام بها والتقيد بما جاء فيها من قوانين وأحكام.
ونظرة خاطفة على بعض بنود المدونة يتبين أنها:
1- تكرس فكرة التشريع الوضعي وتمنح الإنسان حق التشريع ليحل ويحرم بينما التشريع هو لله وحده فهو الذي يحل ويحرم وهو الذي يحدد الفعل الحسن والفعل القبيح وهو الذي يثيب على الفعل الحسن ويعاقب على الفعل القبيح وهو وحده الذي يعلم ما يصلح الإنسان ويفسده في كل زمان ومكان. أما الإنسان فهو عاجز وناقص ومحتاج وعقله محدود لا يستطيع أن يحيط بكل ما يحدث حتى يضع التشريع المناسب الصحيح الذي يحل كل مشاكل الإنسان.
2- جعلت من المرتكزات الأساسية أقوال الأشخاص وآراءهم ومن المراجع الدستور والرؤية الوطنية والعادات والتقاليد والعرف والمدونات لبعض الدول العربية، ومعلوم غير مجهول أن الأسس التي تؤخذ منها أدلة الأحكام الشرعية هي القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع الصحابة والقياس الشرعي، فهذه الأربعة هي التي قامت الأدلة القطعية على كونها هي الأصول التي يبنى عليها غيرها وتؤخذ أدلة الأحكام الشرعية منها.
3- إنها صك عبودية لغير الله فهي تلزم الموظفين بالتوقيع عليها والتقيد بأحكامها والالتزام بكل ما جاء فيها حتى لو كانت بعض بنودها تخالف الأدلة القطعية وفيها سلب لإرادة الموظفين وجعلهم كالعبيد لا يخالفون لسيدهم أمرا ولا يرفضون له طلبا.
4- تمنح الحوثيين الحق في البطش بمن يخالفها بناءً على قانون المساءلة والثواب والعقاب وإسكات كل من يسعى للتمرد عليهم أو يحاسبهم على ظلمهم أو يأمرهم بمعروف أو ينهاهم عن منكر أو يرفض العمل لصالحهم خارج الدوام الرسمي.
5- إجبار الموظفين على الولاء لهم، وهذا يبين مدى ضعفهم وأن شعبيتهم متدنية للغاية وهم يتخوفون أن تشتعل شرارة الثورة ضدهم في أي لحظة فهم يحتمون بالقوة العسكرية والأمنية.
أيها الموظفون: إن المطلوب منكم هو رفض هذه الوثيقة التي تسلبكم الحرية الحقيقية (العبودية لله وحده) وتجعلكم عبيداً لبشر مثلكم، وأن تكونوا في مقدمة ثورة لها برنامج صحيح وواضح ومفصل ومشروع ينقل الناس جميعا إلى حياة كريمة يكون الناس فيها سواسية لا يستعبد بعضهم بعضا بل كلهم أحرار لأنهم جميعا عبيد لله وحده خالقهم. فإلى العمل الذي يؤدي إلى العزة والكرامة والنهضة الصحيحة ندعوكم، ولا يكون ذلك إلا بالعمل لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة مع حزب التحرير لتحكم بشرع الله وتطبق ما أنزل الله فتخرج الناس جميعا من ظلمات الرأسمالية إلى نور الإسلام.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حاشد قاسم – ولاية اليمن