فلسطين لا تحرر بالشجب والاستنكار
وإنما تحررها جيوش المسلمين؛ فهلّا استجابت الجيوش؟
"لقد كانت ردة فعله كما لو أن روسيا حركت أسطولها في البحر الأسود"، بهذه العبارة وصفت إحدى الصحف الإيطالية موقف السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله عندما أرادت دولة الانحراف فرنسا أن تعرض مسرحية تنال فيها من مقام سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام. فكيف هو موقف حكام اليوم ويهود يعيثون فساداً في طول الأرض المباركة وعرضها، ويقتحمون المسجد الأقصى صباح مساء؟
لقد تعددت ردود أفعالهم ما بين شاجب ومستنكر، وكان أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً مَن استدعى السفير ليعرب عن احتجاج شديد اللهجة، فليس عند حكامنا خطوط حمر أو حتى صفر إلا على شعوبهم، وإلا فإنّ خطوطهم إذا كان الأمر يتعلق بكيان يهود فإنها ذات لون واحد ترسمه أمريكا وتضع لونه وينفذه حكامنا، وعليه نقول:
إن المحافظة على الكيان الغاصب في بلاد المسلمين وإبقاءه في فلسطين هو هدف استراتيجي أجمعت عليه الأنظمة العميلة في بلاد المسلمين بعد أن رعته بريطانيا رأس الكفر آنذاك ثم احتضنته أمريكا التي ورثت عرش الاستعمار والغطرسة منها، بل إن الأنظمة العميلة الآن تعمل على المحافظة عليه أكثر من الراعي والحاضن، وهذا أمر لا يحتاج إلى مزيد من النظر ودقة الملاحظة، فقد ساهم حكام آل سعود والهاشميون معهم، بل سارعوا في تثبيت هذا الكيان الغاصب منذ إقامته وذلك برعاية مباشرة من بريطانيا، ثم تبنت أمريكا تثبيته في أرض فلسطين، ومنذ ذلك الوقت وكل حكام المسلمين مجمعون على المحافظة على كيان يهود ويصونون حدوده بل ويقتلون من يريد أن يكسر حاجز الحماية الذي يحيط بهم.
إنّ الكيانات الكرتونية القائمة في بلاد المسلمين توزعت الأدوار بينها، فمُعارِض الأمس هو مطبع اليوم، والجميع مجمعون على تثبيت يهود على الأقل فيما تم تسليمهم إياه سنة 1948م وإذا جاز للحكام أن يتحدثوا فإنهم يتحدثون عن شرقي القدس، وللعلم فإن مطلب حل الدولتين وكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية هو مطلب أمريكي وليس مطلب حكام المسلمين، فأمريكا هي التي عقدت مؤتمر مدريد سنة 1991م وهي التي انتقت المفاوضين وحددت سقف مطالباتهم ثم بعدها تبنت أوسلو ووادي عربة والاتفاقيات الإبراهيمية.
تبث قناة الجزيرة هذه الأيام برنامج "ما خفي أعظم"، تتغزل فيه ببعض الفصائل الفلسطينية التي نشأت بعد تقاعس الجيوش عن نصرة قضية فلسطين وتواطؤ الحكام في التنسيق بل والحماية لكيان يهود، والجزيرة إذ تُبرز المقاومة الفلسطينية حتى تغطي عورة هذه الأنظمة، فهي تتجاهل أن فلسطين لا يحررها إلا كيان وجيش وليست هذه الفصائل، مع إخلاص أفرادها، وإمكاناتهم المادية لا تكاد تعدل شيئاً أمام قوة كيان يهود الغاصب، ونقول إن الجزيرة تتجاهل لأنها تعقل هذه المعادلة جيداً، ولا أظنها تغيب عنها، وإلا لما كانت تتجاهل مئات الفعاليات التي تقام سنوياً والتي تنادي بتحريك الجيوش لنصرة فلسطين، ولكنها تأبى إلا أن تعمل كحائط صد عن الأنظمة في بلاد المسلمين وتضع ورقة التوت على سوءات حكامها الذين يكبلون الجيوش، ففلسطين قضية الأمة الإسلامية جمعاء والمسؤول عنها ليس عرين الأسود أو كتائب جنين أو غيرها فحسب، وإنما الذين تتطلع إليهم الأمة بشغف وتعتبرهم المسؤول الأول هم الجيوش، وأي حل يُطرَح أو يجري تسويقه على الأمة بخلاف هذا الحل إنما هو عمالة فكرية مفضوحة علم ذلك صاحبه أم جهله!
فما وظيفة الجيوش إذن، إذا كانت الفصائل قادرة وحدها؟ فهل كان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله يعمل على مساعدة الكتائب المسلحة في فلسطين ليستردها من الصليبيين؟! أم اتخذ من دعم الفصائل المقاومة بالمال والرواتب ونقل مأساتهم إلى الهيئات والمنظمات الدولية طريقةً لتحريرها؟!
إنّ وضع النقاط على الحروف هو بداية التغيير، وأولى النقاط هي أن فلسطين قضية المسلمين جميعا وأن تحريرها هو وظيفة جيوش المسلمين، وأن المنظمات الفدائية وحركات المقاومة لن تحررها مهما امتلكت من مال وسلاح. وإن الجزيرة تعلم ولكن لا يسمح لها أن تشخص المرض وتضع العلاج بل يسمح لها أن تتغزل فقط في الحركات المسلحة في فلسطين وتظهرها بمظهر القادر على تحرير فلسطين وتجعل دفع المال للمقاومة ودفع الرواتب لأهل غزة هو عمل الأنظمة وطريقتها لتحرير فلسطين.
إن قضية فلسطين هي جزء من المشاكل التي أوقع فيها الاستعمار أبناء الأمة بعد أن تآمر على الخلافة وهدمها بمعاونة ومساندة من خونة العرب والترك، وإن تحريرها واجب على الأمة كلها والجيوش على وجه الخصوص فهم القادرون على تحريرها؛ لذلك فإننا ندعوهم ليل نهار لنصرة القضية المصيرية للأمة وهي إقامة الخلافة وبعدها ستحل كل مشاكل الأمة ومنها قضية فلسطين بإذن الله.
اللهم هيئ لنا رجالاً كسعد بن معاذ وأسعد بن زرارة يعطون النصرة للعاملين المخلصين فيُنصر بهم الإسلام وتُعز بهم الأمة، وما ذلك على الله بعزيز.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
شرف الدين علي (أبو ورد)