يتفقون في كل شيء ويختلفون في تقسيم كيكة الحكم
جاء في جواب سؤال أصدره أمير حزب التحرير، العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة، بتاريخ 2022/12/11م عن الاتفاق الإطاري: (... هناك معارضة لهذا الاتفاق، وقد خرجت مظاهرات يومي 8 و2022/12/9 رفضا له. فمنها قوى غير صادقة في المعارضة، كما هي غير مخلصة أصلا للأمة ولأهل السودان، كحركة العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم وحركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي وأحزاب سياسية مؤتلفة مع قوى الحرية والتغيير التي تتبع المستعمر البريطاني. فقد وضعت بريطانيا لها خط رجعة وقوى تعمل كمعارضة موازية، فإذا فشل الاتفاق تتحرك هذه القوى كمكونات معارضة وتغطي على عمالتها لتعمل على قيادة الناس الذين لم يستطيعوا أن يتخلصوا من تسلط العملاء أمريكان أو إنجليز، فإذا تخلصوا من أحدهم وقعوا في حبال الآخر، وهكذا دواليك، فالأمر مستمر على هذا الشكل منذ إعطاء البلد استقلاله الشكلي وخروج المستعمر عسكريا واستمراره بالأشكال السياسية والفكرية والاقتصادية وغيرها).
نعم هكذا حال العملاء المتشاكسين أينما حلوا، فقد أورد موقع سودان لايف نيوز في 2023/01/08 أن الحريّة والتغيير "الكتلة الديمقراطية" كشفت عن إيقاف أي نقاشٍ رسميٍّ حالياً مع أيّ طرف، وهددت الكتلة في المؤتمر الصحفي بالتصعيد وإسقاط هذا الاتفاق إذا أصرّت الأطراف المضيّ بهذه الثنائية التي وصفتها بالمُخلّة التي لا تخدم تحقيق الوفاق الشامل. وقالت لن نكون مستوى ثانياً في أي مرحلة سياسية، نحن مكوّن أساسي ولنا الحق في التقرير في أي شأن يتعلّق بالدولة السودانية.
وقال القياديّ بالكتلة الديمقراطية مبارك أردول: "الاتفاقيات التي تحدث في منتصف الليالي لن نكون طرف فيها"، وأضاف "لسنا ضد الاتفاق الذي يؤمّن انتقالاً آمناً ولكن لن نكون جزءاً من عملية سياسية ليست لها أي ضمانات وعرضة للانهيار في أي وقت".
إن ما يسمى بالكتلة الديمقراطية شأنه شأن بقية الأحزاب والحركات المسلحة المشاركة في السلطة، فمنهم من رضي وتابع، ومنهم من رفض هذا الاتفاق الإطاري. لكن للأسف كل من عارض أو وافق عليه لم ينطلقوا في تحديد موقفهم من هذا الاتفاق الإطاري من زاوية عقيدته؛ عقيدة الإسلام؛ عقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولم نسمع من أحد منهم أن هذا الاتفاق يجوز الاشتراك فيه أو لا يجوز، فالكل انطلق من مصلحته ونصيبه في الاستوزار، وأن يثبت لأسياده في الغرب الكافر المستعمر أنهم أخلص في العمالة والارتزاق من غيرهم، وهم يتوهمون بأن الكافر سيكرمهم ويحفزهم بعد هذا الإخلاص المنقطع، ولم يتعظوا بديناصورات في العمالة! فأين حسني مبارك الذي كان ينفذ أضعاف أضعاف ما تطلبه أمريكا؟ وأين عمر البشير الآن؟ هل كرمتهم أمريكا وكافأتهم على عمالتهم وارتزاقهم؟ بل وخلال فترة حكمهم تخلت عنهم ولجأ بعدها صاغرا ذليلا إلى روسيا وبعدها زجوا به في غياهب السجون كأن شيئا لم يحدث ووجد جزاء سنمار. وكذلك بريطانيا مع عملائها؛ فأين معمر القذافي الذي قبض عليه في مخبأ لا يصلح مسكناً حتى للجرذان ومات ذليلا حقيرا؟ وأين صدام حسين الذي شنق صبيحة عيد الأضحى المبارك؟ وكذلك بن علي الذي ظل شريدا طريدا حتى مماته؟ فما بكى عليهم الباكون ولا نعاهم الناعون كباقي الناس.
فكان الأصل أن تنظروا إلى هذه الاتفاقية نظرة ثاقبة كما نظر إليها حزب التحرير، ورفضها جملة وتفصيلا. وهذا ليس لأنه لم يُعْطَ شيئا منه، مع أنه لا يشارك أصلا في مثل هذه المؤامرات، بل انطلق من عقيدته وجعلها أساسا لحركاته وسكناته، فرفض هذا الاتفاق لأنه لا يقوم على هذا الأساس بل يعمل لهدم ونقض الإسلام، ويسعى لبسط الحريات التي تقوم على المبدأ الرأسمالي العلماني الفاجر الذي يريد أن يجعل من المرأة سلعة تباع وتشترى وتكون مباحة للجميع، وهدم الأسرة من أساسها بالمصادقة على اتفاقيات العهر والدعارة كسيداو وأخواتها.
إن هذا الاتفاق يراد به تمزيق السودان عن طريق الفيدرالية وحينها يتمكن الكافر المستعمر من نهب ثروات البلاد والتحكم فيها بالكامل. نعم هذه هي النظرة التي يجب أن ننظر بها إلى كل الحوادث ونحكم عليها أيضا من خلال مبدأ الإسلام العظيم، مبدأ هذه الأمة الكريمة، وليس المصلحة الزائلة التي اتخذتموها معيارا ومقياسا لكم في حياتكم فكان هذا الوهن والذلة والضعف نتاجا وحصادا لما اقترفته أياديكم الآثمة.
أورد أهل السير والتاريخ أن قيصر الروم بعث برسالة مقتضبة إلى معاوية نصها: "علمنا بما وقع بينكم وبين علي بن أبي طالب، وإنَّا لنرى أنكم أحق بالخلافة منه، فَلَو أمرتني بعثت إليك جيشاً يأتون إليك برأس علي". فكان جواب معاوية بهذه الكلمات المفجعة لقيصر: "أخوان تشاجرا فما بالك تدخل فيما بينهما. إن لم تخرس أرسلت إليك بجيش أوله عندك وآخره عندي يأتونني برأسك أقدمه لعلي".
نعم هذه هي مواقف الرجال الرجال الذين انطلقوا من عقيدة راسخة رسوخ الجبال الراسيات واضعين الإسلام نصب أعينهم، لا تغرنهم هذه الدنيا الزائلة، بل جعلوها معبراً ليوم الدين والحساب. رجال تعلموا في حلقات النبي ﷺ، فأصبحوا رجال دولة، واعين على ما يدور في العالم، مخلصين لدينهم، كارهين لعدوهم مبغضين له، ولا يركنون إلي، ولا يوالونه ولو طرفة عين، بل يعاملونه كما أمرتهم عقيدتهم العظيمة.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الخالق عبدون علي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان