المشهد في اليمن لا يزال سواده حالكاً
إن أي بلد في العالم لا يملك قراره السيادي يصبح ضحية وألعوبة بيد الأقوياء المسيطرين عليه والذين يملكون ويتحكمون بقراره، زد على ذلك إذا كان المتحكمون والمسيطرون لا توجد في مقاييسهم سوى قيمة واحدة يسعون لتحقيقها عند قيامهم بالأعمال وهي القيمة المادية، وهنا كيف سيكون حال هذا البلد؟ لا شك أنه سيصبح في حالة من السوء التي لا يمكن وصفها، زد على ذلك عدم وقوف البلدان المسيطرة عليه عن تحقيق القيمة المادية عند السيطرة عليه واستغلال ثرواته، بل هناك عامل آخر وهو يظهر جلياً في المشهد اليوم في بلاد المسلمين وهو أن البلدان المسيطرة والمستعمرة تحمل في طياتها العداء الكبير لأمة الإسلام الذي لا يتوقف عند نهب الثروات بل يتجاوز ذلك وهو جعل هذه البلدان منزوعة الهوية والثروة لتصبح ألعوبة وحقل تجارب لهم.
إن هذا المشهد يتكرر اليوم في بلاد المسلمين؛ في العراق وليبيا وسوريا والسودان ...إلخ، وسوف نسلط الضوء على اليمن كنموذج ليعرف الناس ويحسوا بعِظم المآسي التي يعيشونها كنموذج قد يكون ليس الأكثر ألماً، فعندما يعيش الإنسان في هذا الواقع فإن إحساسه بالمأساة ليس كمن يقرأ عنه.
إن الهدف من هذه المقالة ليس مجرد المعرفة فقط بل بعد المعرفة يجب أن يقوم المسلم بدوره؛ وهو أن ينفض عن ظهر أمته هذه الآلام ويأخذ على يد الظالم ويقطع يد الكافر المستعمر ليحررها من التبعية ليكون لها مقعد الصدارة بين الأمم الذي أراده لها ربها وإنقاذ البشرية جميعاً من براثن العلمانية الرأسمالية المتوحشة التي تفترس كل شيء حتى أبنائها.
المشهد الأول: لمحة بسيطة على آخر الأحداث التي حصلت في الأسابيع الأخيرة حيث شهدت توقيع اتفاقية إطلاق الأسرى بين أطراف الصراع في اليمن برعاية مبعوث الأمم المتحدة، حيث تم إطلاق مئات الأسرى من الجانبين وقد قضوا في السجون فترات طويلة وصل بعضهم إلى ثماني سنوات ومنهم من كان محكوما عليه بالإعدام، ومنهم من بُلّغ أهله أنه قد مات في المعارك ولكنه فجأة يعود إليهم، ومنهم من عُذب تعذيبا شديدا على يد سجانيه، والسؤال هنا لماذا كل هذه التضحيات والمعاناة التي ألمت بهؤلاء الأسرى من الطرفين؟! هل هي لأجل سيادة الإسلام والموت في سبيله؟! هل هي للجهاد ضد الكافر المستعمر؟! وكم قتل من جنود الكفار المستعمرين؟! إن على كل من وقع عليه ألم وشدة من هذا الوضع أن يجيب على هذا السؤال. وقبل البحث عن الإجابة يجب عليه أن يدرس جيداً أعمال وأفكار وتوجهات طرفي الصراع الذي عانى من أجلهم، فهل ما يسمى بالشرعية (مؤتمر الخارج وحزب الإصلاح) أو المجلس الانتقالي أو القوات المرابطة بالساحل الغربي من يمجدون الهالك ليل نهار، وأتباع مجلس الإنقاذ بالمهرة أو الهبة الحضرمية ومؤتمر حضرموت الجامع، هل هم جمعيهم يريدون الإسلام وغايتهم تحكيم شرع الله، أم أنهم ينفذون ما يملى عليهم من السفير البريطاني إما مباشرة أو عبر الإمارات وقطر، وفوق هذا لا ينسون أنفسهم فيسرقون الأموال ويغذون أرصدتهم ويستثمرون أموال البلاد بعد نهبها في تركيا ومصر والخليج وأوروبا وأمريكا؟!
وفي المقابل هل الطرف الآخر الحوثيون ومؤتمر صنعاء وهم شركاء متشاكسون يريدون الإسلام وتحكيم شرع الله وتحرير المسجد الأقصى كما يرددون في جلساتهم؟ أليس النظام الجمهوري قائماً كما هو؟ أليس الدستور علمانياً؟ أليس مجلس النواب يمارس التشريع من دون الله؟ فالحوثيون يعقدون الجلسات ويتلقون التعليمات من إيران. ألا يعرفون ويتابعون أعمال إيران ونظامها العلماني وخدماتها التي تقدمها لأمريكا في العراق وسوريا ومن قبل في أفغانستان؟ ألم يسمعوا عن صفقة إيران كونترا مع يهود؟ ألا يدركون كذبها ودجلها في خطابها منذ سنوات حول تحرير المسجد الأقصى ولم نر رصاصة واحدة تطلق على يهود قاتلهم الله؟! فإن قالوا نحن لا نتبع إيران فلماذا تم الاتفاق مع آل سعود المجرمين العملاء بعد إصلاح العلاقة بينهم وبين إيران، أليس هذا دليلا واضحا على تبعيتهم لإيران؟ أما مؤتمر الداخل فتصله التعليمات من بريطانيا عبر الإمارات ولهم دور مرسوم ومعروف وهو الحصول على نصيب مع الحوثيين في أي تسوية، ودورهم هو الحفاظ على حصة لبريطانيا من حصة الحوثيين والتجسس على الحوثيين وصنع الفخاخ والعراقيل للحوثيين من تحت الستار.
هذا المشهد الأسود مستمر من حيث إن ملف الأسرى لم يتحلحل بشكل كامل بل منهم من قتل في السجن ومنهم المفقودون ومنهم من لم تدخل أسماؤهم في صفقة الأسرى نهائيا مثل الأسرى المعتقلين من قبل القوات الإماراتية، وأيضا الاعتقالات لا زالت إلى اليوم مستمرة في بعض المناطق فكيف يطلقون أسرى ويعتقلون آخرين؟! أما بقية الملفات فالملف الاقتصادي الذي قسم إلى ملفات من فتح المنافذ والمطارات إلى ملف البنك والعملة إلى ملف الرواتب وإيرادات الثروات النفطية، والملف الإنساني ومنه الأسرى والمفقودون وفتح المعابر بين مناطق السيطرة لم يكتمل بعد، وإلى الملف السياسي الأكثر صعوبة، فالمشكلة الواحدة يحولها النظام الرأسمالي إلى مشاكل متعددة.
أما المشهد الثاني: فهو سوء الحال الذي أوصلت أطراف الصراع أهل اليمن إليه من سوء الرعاية وانعدام تام للخدمات الأساسية في الكثير من المناطق، ونحن نتكلم عن الخدمات الأساسية وليس الكمالية؛ فالأمن منعدم والقتل مستحر حتى في يوم العيد لم يسلم أحد الخطباء وهو محسوب على حزب الإصلاح في محافظة شبوة مديرية بيحان من القتل بعد أدائه لصلاة وخطبة العيد حيث باشره القتلة بالقتل. أما الكهرباء في مناطق المجلس الرئاسي في عدن وتمثل عاصمتهم فهي في انقطاع مستمر حتى إنهم لم يراعوا الشهر الفضيل فيستحيوا من الله ومن عباده في شهر الصيام، وبقية الخدمات حدث ولا حرج فلا تعليم سوي، ولا قضاء ينصف المظلوم، ولا مياه صالحة للشرب ومتوفرة، ولا طرقات معبدة بل ما تحصده حوادث السير في كل اليمن يقارب ما تحصده الحروب، أما البطالة فقد وصلت مبلغاً عظيما فالكثير من الناس لا يجد أمامه إلا طرقاً مهلكة. وأما القتال ففي صفوف المتصارعين أو الهجرة لخارج البلد وبالذات لدول الجوار وفيها يلاقون من الويلات من قوانين حكام آل سعود الظلم والضيم، أما الفقر والفاقة التي وصل لها الناس فقد سطره مشهد الموت في منطقة باب اليمن في العاصمة صنعاء حيث أعلن عن وفاة أكثر من 80 شخصاً وهم يتزاحمون للحصول على مبلغ لا يتجاوز 20 دولاراً في آخر أيام الشهر الفضيل ومن هؤلاء الثمانين من هو في ريعان الشباب ومنهم المدرسون والعسكر والموظفون الذين انقطعت رواتبهم فذهبوا يتحسسون ما يسد رمقهم بعد الإفطار مباشرة للوقوف في الصفوف المتزاحمة فلقوا الله وهم بهذه الحالة من الفقر والفاقة يشكون سوء الرعاية من قبل الحكام العملاء الذين يتنعمون بالثروة ويقتاتون على دمائهم وأرواحهم.
إن المشهد حقا محزن مؤلم ولن تخرج الأمة مما هي فيه اليوم إلا بعودة القرار بيدها فتنفض عنها كل عميل من الحكام وتتصدر المشهد فيعود أبيض ألقاً وينشر نور عدل الإسلام في ربوع الدنيا بعدما ملأته الرأسمالية والاشتراكية قبلها سواداً، وهذا لن يكون إلا في ظل دولة الخلافة الراشدة الثانية، ولهذه الغاية العظيمة يعمل حزب التحرير. قال تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الهادي حيدر – ولاية اليمن