أمريكا تضيق الخناق على روسيا
الخبر:
رئيس وزراء اليابان يجري زيارة مفاجئة لكييف. (القدس العربي)
التعليق:
سبب الحرب: لا شك أن التخلص من الخطر الأوكراني على روسيا هو أمر كان لا بد منه لروسيا لتنعم بشيء من الأمان وخاصة أن الأمر متعلق بحدودها ومجالها الحيوي. فأوكرانيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وخصوصا بعد الثورة البرتقالية صارت خنجرا حادا مغروسا في خاصرة روسيا يزيد تعمقا مع الوقت.
إلا أن القضية هي في التوقيت الخاطئ الذي اعتمده بوتين ومن حوله لنزع هذا الخنجر، فكما هو معلوم طبيا فإن نزع الخنجر من جسم المريض قبل وصوله غرفة العمليات يعتبر إجهازا على المريض، فلا بد من وجود الكوادر الطبية والتجهيزات اللازمة عند نزع الخنجر حتى يتم التدخل الجراحي دون تعريض المصاب لخطر أكبر من الخنجر المغروس فيه، بمعنى آخر إذا كانت روسيا غير قادرة على الحسم العسكري في المسألة الأوكرانية فإنه التهور، وما الداعي لتعريض روسيا ودبها في أخطار هي أكبر بكثير من الخطر الأوكراني نفسه الذي كانت تعاني منه موسكو؟
هل كان التعجل في غزو أوكرانيا هو هدفا شخصيا لبوتين يسجله في أحلامه القيصرية التي بلغت ذروتها بعد استيلاء روسيا على القرم وبعد تحويل الشيشان من عدو لدود لموسكو إلى صديق حميم؟ أكان هذا الحلم هو ما دفع بوتين لتوريط روسيا في حرب استنزاف خطيرة ومهلكة لروسيا؟ هل سيدفع الروس ثمن تهور وعدم تقدير بوتين لإمكانية انتصار روسيا في هذه الحرب؟
الذي يبدو هو أن أمريكا كانت على علم دقيق بعدم جهوزية الروس لخوض مثل هذه الحرب في أوكرانيا، كما أن أمريكا تدرك حالة الهوس والولع عند بوتين لتحقيق الانتصارات وبلوغ المجد، ولذا أعطته الضوء الأخضر لدخول أوكرانيا لتوريط روسيا في حرب طويلة الأمد لاستنزافها وإنهاكها وتبديد ثرواتها ثم بعد ذلك إرضائها لشروط صلح مذلة ومهينة بل ومكبلة لروسيا على مدى عقود قادمة. ولقد صرح بايدن والرئيس الفرنسي بذلك الهدف: أن المطلوب هو هزيمة روسيا في أوكرانيا وليس فقط إنهاء الحرب.
لقد أصبحت روسيا الآن وبعد مرور أكثر من عام على الحرب تماما كالذي انتزع خنجرا من ظهره ليعود فيطعن به صدره. فبدل معالجة الخطر الأوكراني الذي كان يهدد أمن روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، صار الملف الأوكراني خطرا يستنزف كل طاقات روسيا المادية والبشرية والمعنوية، كيف لا وقد كشفت الحرب عن مدى عجزها على الحسم رغم دعم عميلها رئيس الشيشان رمضان قديروف ورغم استدعائها لقوات فاغنر من أفريقيا لتشارك في الحرب الميدانية.
إن أمريكا تمضي قدما في خطتها لدحر روسيا وهزيمتها وإنهاكها في هذه الحرب وإغلاق كل سبل الحلول المقترحة لإنهاء الحرب وآخرها كان المقترح الصيني. بل إن أمريكا قد استطاعت فرض رؤيتها لهذه الحرب على أوروبا وبالخصوص فرنسا وألمانيا، فأمريكا وأوروبا الآن يغلقون كل الطرق ويفشلون كل الحلول المحتملة لخروج روسيا دون خسائر جسيمة واستراتيجية. ثم جاء مشروع أمريكا لتسليح اليابان والبدء في إقحامها كداعم للأوكرانيين هو تضييق الخناق على روسيا في هذه الحرب. وهذا ما أعرب عنه رئيس وزراء اليابان لأوكرانيا كوشيدا يوم الثلاثاء بإعلان الدعم التام لأوكرانيا من دول السبع، هذه الزيارة المفاجئة التي تتزامن مع زيارة جين بينغ لموسكو ما هي إلا تأكيد للتصعيد الأمريكي والأوروبي ودول السبع معهما ضد روسيا في حركة لتضييق الخناق على موسكو.
والسؤال هو كيف ستخرج روسيا من هذا الفخ وهذه الورطة؟ وماذا سيكون ثمن عنجهية بوتين وتهوره؟ إلى متى سيبقى بوتين يدير دفة سفينة لا يقودها إلا إلى الهلاك؟ هل سيبقى الوسط السياسي الروسي - الذي يخشى بطش بوتين وميدفيدف صامتا وإلى متى؟ هل سيغامر الروس بتجاوز خطوط الناتو في محاولة للخروج من هذه الأزمة أم سينصاع الروس لإملاءات الغرب التي ستضع حدا لبوتين ونظامه الأمني في روسيا؟
يبدو أن الجواب على هكذا أسئلة قد جاء في مقالة نشرت مؤخرا في التايمز لوزير الخارجية البريطاني السابق وليام هيغ بعنوان "الغرب يمكنه منع سقوط العالم بين يدي شي وبوتين"، تساءل فيها هيغ عن سبب زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ العاصمة الروسية موسكو. ويقول إنه هناك لأنك لو كنت في موقف الصين، تسعى لتحقيق استراتيجيتك للقرن الحادي والعشرين، فسيكون وجود روسيا إلى جانبك أمرا ضروريا.
فهل سيكون المخرج لروسيا من الأزمة في أوكرانيا هو توحيد المصير مع الصين؟ وهل ستخرج الصين عن دور الداعم الخجول والسري لموسكو خصوصا بعد المشروع الأمريكي الأخير لتسليح اليابان؟ لا بد أن الأسابيع والأشهر القادمة ستأتي بأجوبة واضحة ومهمة قد تغير مجرى الأحداث.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. فرج ممدوح