جواب سؤال
الاقتتال المسلح في السودان وتداعياته على الصراعات السياسية
السؤال: نشرت سكاي نيوز عربية على موقعها أن أمريكا قد أجلت دبلوماسيها صباح الأحد 23/4/2023 (أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، صباح الأحد، إجلاء دبلوماسيي بلاده من السودان الذي يشهد اشتباكات عنيفة منذ أيام... وقال بايدن في بيان: "اليوم (الأحد) بناء على أوامر مني، نفذ الجيش الأمريكي عملية لإخراج أفراد الحكومة الأمريكية من الخرطوم")... وكانت عربي21، قد نشرت كذلك على موقعها في 23/4/2023 (ولم يعلق الجيش السوداني على عملية إجلاء الدبلوماسيين الأمريكيين، لكنه قال في بيان سابق إن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين ستجلي دبلوماسيين ورعايا آخرين من الخرطوم، مضيفا أنه "يتوقع الشروع في ذلك فورا") فهل يدل هذا الإجلاء بأن الاقتتال سيستمر؟ وما تفسير ذلك خاصة وأن البرهان وحميدتي عميلان لأمريكا؟ أو أن أحدهما قد أصبح يميل إلى بريطانيا وأوروبا ومن هنا كان هذا الاقتتال؟ ثم ما هو الحل المتوقع في نهاية هذا الاقتتال؟ وشكراً.
الجواب: لكي يتضح الجواب نستعرض الأحداث منذ الوثيقة الدستورية والانقلاب العسكري عليها:
أولاً: مرحلة الوثيقة الدستورية:
1- كان عملاء أمريكا (المجلس العسكري) تحكمهم ما أطلق عليها "الوثيقة الدستورية" مع عملاء الإنجليز والأوروبيين (المكون المدني)، تلك الوثيقة التي جرى التوقيع عليها بين الجانبين في 17/8/2019، ثم عدلت مواعيدها بعد اتفاق جوبا الموقع في 03/10/2020م حيث أصبحت المدة 51 شهراً، ومن ثم يبدأ المدنيون في تشرين الثاني/نوفمبر 2021... ولأن هذه الوثيقة تنزع كثيراً من مراكز السلطة من المكون العسكري إلى المكون المدني، وهذا ما لا يرضي البرهان وحميدتي، ولهذا فقبل نحو شهرين من موعد تسلم المكون المدني مراكز السلطة الواردة في الوثيقة، أُعلن عن اكتشاف محاولة انقلاب، وممن؟ من أحد رجالهم لم يمض على رجوعه من العلاج خمسة أيام: (أعلن وزير الدفاع السوداني، الفريق الركن ياسين إبراهيم عن إحباط محاولة انقلاب قادها اللواء الركن عبد الباقي بكراوي، ومعه 22 ضابطا آخرين برتب مختلفة وضباط صف وجنود... بي بي سي 21/9/2021).
2- وبالتدقيق في هذه المحاولة الانقلابية نجد أنها مصطنعة، فإن (قائد تلك المحاولة الانقلابية قد زامل في خدمته العسكرية البرهان في عمليات بحر الجبل وزامل شمس الدين كباشي في غرب دارفور... عربي21، 22/9/2021) وهؤلاء رؤوس القيادة العسكرية في الجيش السوداني ومجلس السيادة، بمعنى أن هذا الرجل كان مقرباً وموثوقاً من كبار عملاء أمريكا في قيادة الجيش، ومن ثم لا تكون محاولته للانقلاب حقيقية، ولكنه أمر قد دبر بينه وبين القيادة لأغراض ترتيب الحكم قبل أن يحين موعد التسليم المفترض لقيادة مجلس السيادة للمدنيين... وعلى إثر ذلك (اعتقل الجيش السوداني صباح اليوم الاثنين رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ومعظم أعضاء حكومته والعديد من المسؤولين والعاملين بقطاع الإعلام وسط الحديث عن انقلاب عسكري يجري تنفيذه... الجزيرة 25/10/2021) وأعلن مكتب حمدوك المعتقل (ما حدث يمثل تمزيقاً للوثيقة الدستورية وانقلاباً مكتملاً على مكتسبات الثورة... الجزيرة 25/10/2021)
3- وهكذا يتضح بأن الاتفاق المعقود سنة 2019 بين المدنيين في قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري كان فخاً نصبه المجلس العسكري ومن ورائه أمريكا لهذه القوى عبر جعل رئاسة مجلس السيادة الأولى للعسكر والثانية للمدنيين، فجرى إيهام قوى الحرية والتغيير بأنهم سيُسلَّمون رئاسة المجلس، أي حكم السودان لما بعد الـ21 شهراً الأولى، ولو كان هذا ممكناً لأمكن عملاء الإنجليز وأوروبا من إجراء تغييرات واسعة تطال قيادة الجيش وتمويله بشكل يهدد النفوذ الأمريكي في السودان، وهذا لا تسمح به أمريكا...
بعد ذلك انتشر بين الناس أن موضوع الانقلاب أمر دُبِّر بليل من البرهان وحميدتي للقضاء على الوثيقة الدستورية... ومن ثم تحرك الناس في الشوارع بعضهم بإخلاص وبعضهم بدافع من المكون المدني واستمر لأيام بل لأشهر...
ثانياً: مرحلة الاتفاق الإطاري:
بعد انكشاف أمر الانقلاب السابق وانتشار التحركات في الشوارع... بدأت مرحلة أخرى لخديعة المكون المدني حيث بدأت المباحثات بين المكون العسكري والمدني حتى تم توقيع الاتفاق الإطاري في 5/12/2022 وقد جاء في جواب سؤال في 11/12/2022 (... ونص الاتفاق في الجزء الثاني منه على "تسليم السلطة الانتقالية إلى سلطة مدنية كاملة... وللدولة رئيس بمهام شرفية... ثم مستوى تنفيذي يرأسه رئيس وزراء مدني..." وينص أيضاً على أن "ينأى الجيش عن السياسة وعن ممارسة الأنشطة الاقتصادية والتجارية الاستثمارية، وأن تدمج قوات الدعم السريع وقوات الحركات المسلحة في الجيش وفقا للترتيبات التي يتم الاتفاق عليها لاحقا في مفوضية الدمج والتسريح ضمن خطة إصلاح أمني وعسكري... إلخ")، وقد كان الاتفاق يقتضي التوقيع النهائي عليه في 6/4/2023 وتشكيل الحكومة المدنية في 11/4/2023 وهنا استمرت الأمور على النحو التالي:
1- في اليوم نفسه 6/4/2023 الذي كان يفترض فيه التوقيع على الدستور الانتقالي وقبل 5 أيام من تشكيل الحكومة الانتقالية 11/4/2023 أجرت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية مولي اتصالا هاتفيا مع حميدتي والمتحدث باسم العملية السياسية خالد عمر يوسف. (وهاتفت مولي كلاً من نائب رئيس مجلس السيادة قائد قوات الدعم السريع "حميدتي" والمتحدث باسم العملية السياسية خالد عمر، وذلك بعد أيام من اتصالها برئيس مجلس السيادة وقائد الجيش البرهان... سودان تربيون 6/4/2023.)
2- نشرت عربي بوست على موقعها في 19/4/2023 نقلاً عن صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، الأربعاء 19 نيسان/أبريل 2023، في أحدث معلومات عن ساعات الاشتباك الأولى 15/4/2023 (شهدت ليلة الجمعة 14 نيسان/أبريل، جلسة مفاوضات بين الطرفين "البرهان وحميدتي" بحضور مبعوثين أجانب، قُطعت خلال ذلك وعود، وانتُزعت تنازلات، قبل أن يتناولا العشاء معاً في منزل أحد كبار القادة العسكريين... عربي بوست 19/4/2023).
3- بعد ذلك اندلعت الاشتباكات العنيفة المفاجئة يوم السبت 15 نيسان/أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع والتي تمثّل ضربة جديدة للآمال في انتقال الحكم إلى المدنيين أي القوى المدنية الموالية لبريطانيا... وهكذا تحول الصراع السياسي الدائر في السودان بين المكون العسكري الموالي لأمريكا والمكون المدني الموالي لبريطانيا، تحول إلى المجال العسكري بين البرهان وحميدتي! قلنا في جواب السؤال في 19 آذار/مارس 2023 [("ومن ثم يتحكم المكون العسكري (البرهان وحميدتي) في تأجيل التنفيذ بحجة عدم اتفاقهما على الدمج، وذلك إلى أن تصبح الشروط والأجواء مناسبة لتعديل الاتفاق وتنقيته من أي تأثير فعلي فيه للمكون المدني، وهذا معنى (قريبا) الواردة في قول البرهان (إن البلاد تسير في طريق تأسيس الحكم المدني، مرجحاً تشكيل الحكومة المدنية قريباً... الاتحاد 19/03/2023م)، فينفذ الاتفاق الإطاري وفق متطلبات المكون العسكري ومن ثم يكون (قريباً) سواء أقرب موعد التنفيذ أم بعد! وإن لم يتأت لهم ذلك، فلا يستبعد محاولة إلغاء الاتفاق الإطاري باصطناع صعوبة دمج الدعم السريع مع الجيش لعدم توافق البرهان وحميدتي أي إعادة سيناريو إلغاء الوثيقة الدستورية مع أسلوب جديد للإخراج..." )] انتهى الاقتباس من جواب السؤال.
4- بدأت القوى السياسية المعارضة تناشد الجيش والدعم السريع إلى وقف الاقتتال بين الطرفين علما أن هذه القوى كانت ضد الجيش وضد الدعم السريع فصارت تدعوهم لوقف الاقتتال بين الطرفين، ونسوا مطالبهم السياسية بإبعاد الطرفين عن الحياة السياسية وتشكيل حكومة مدنية كما كانوا ينادون. فقد ("دعا بيان لقوى الحرية والتغيير المجلس المركزي قيادة القوات المسلحة وقوات الدعم السريع لتغليب الحكمة ووقف المواجهات العسكرية فورا والعودة لطاولة التفاوض وإن الخيار لحل القضايا العالقة هو معالجتها سلميا عبر الحلول السلمية"... الجزيرة 16/4/2023). وهكذا استبدلت المعارضة بمعارضة أخرى، فغدت المعارضة السياسية ليست قوى معارضة، وإنما قوى مصالحة بين قيادة الجيش وبين المعارضة المصطنعة قيادة الدعم السريع!
5- قال بيان لوزارة الخارجية الأمريكية "إن بلينكن شدد على الحاجة الملحة للتوصل إلى وقف إطلاق النار للسماح بتسليم تقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين من القتال... سكاي نيوز 18/4/2023) يريد وقف إطلاق النار وليس إنهاء القتال، وقد تجاوب الطرفان فورا مع الدعوة الأمريكية. وأعلن الجيش على لسان عضو مجلس السيادة الانتقالي شمس الدين كباشي أن ("مجلس السيادة وافق على وقف إطلاق النار لمدة 24 ساعة ابتداء من مساء الثلاثاء"... العربية 18/4/2023) ووافقت قوات الدعم السريع على هدنة طلبتها أمريكا على لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن من الطرفين فقال بيانها: ("بناء على الاتصال مع السيد أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي وجهود الدول الشقيقة والصديقة دعتنا إلى وقف إطلاق النار من أجل فتح مسارات آمنة لعبور المدنيين وإخلاء الجرحى نعلن من جانبنا الموافقة على الهدنة المقترحة لمدة 24 ساعة"... الراكوبة السودانية 18/4/2023) وهذا يثبت أن البرهان وحميدتي يتبعان الأمريكان وسرعان ما ينفذان أوامر أمريكا. وإذا طلبوا منهما وقف الاقتتال نهائيا بشكل جاد سيوقفانه. ولكن طلبوا منهما هدنة مدة 24 ساعة. ومعنى ذلك أنهم سمحوا لهما بالاستمرار في الاقتتال...
6- نقلت "الشرق الأوسط" السعودية يوم 19/4/2023 عن ناطق باسم الخارجية الأمريكية طلب عدم ذكر اسمه قوله: ("إن وزارة الخارجية الأمريكية أنشأت مجموعة عمل معنية بالنزاع العسكري في السودان للإشراف على تخطيط الوزارة وإدارتها واللوجيستيات المتعلقة بالأحداث في السودان". وأضاف أن "تركيزنا الآن هو على التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار"). وقال: ("نواصل الضغط على قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية لإقرار وقف إطلاق نار لمدة 24 ساعة وندعو كليهما إلى ضمان التزامه من كل القوات"... الشرق الأوسط 19/4/2023) ما يؤكد على أن الأمريكان هم الذين يديرون الصراع بين الطرفين، ولا يريدون وقفه كليا حاليا إلى حين يستنفدون أغراضهم منه.
7- قال بايدن في بيان: ("اليوم الأحد بناء على أوامر مني، نفذ الجيش الأمريكي عملية لإخراج أفراد الحكومة الأمريكية من الخرطوم"... كما شكر بايدن كلا من جيبوتي وإثيوبيا والسعودية، مشيدا بـ"مساعداتها الحاسمة لنجاح عمليتنا"... وكانت قوات الدعم السريع، أحد طرفي الصراع في السودان، أعلنت في وقت سابق من صباح الأحد إجلاء الدبلوماسيين الأمريكيين وأسرهم من السفارة الأمريكية في الخرطوم، بالتنسيق مع الولايات المتحدة. ولاحقا كشفت شبكة "سي إن إن" الإخبارية، أن "جميع الدبلوماسيين الأمريكيين وأفراد عائلاتهم في طريقهم بأمان إلى خارج السودان، على متن طائرات عسكرية أمريكية".. وأضافت أنه "تم إغلاق السفارة الأمريكية في الخرطوم بمغادرة الدبلوماسيين"... سكاي نيوز عربية 23/4/2023) ونقلت عربي21 في 23/4/2023 على موقعها تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن بالإجلاء وأضافت: (ولم يعلق الجيش السوداني على عملية إجلاء الدبلوماسيين الأمريكيين، لكنه قال في بيان سابق إن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين ستجلي دبلوماسيين ورعايا آخرين من الخرطوم، مضيفا أنه "يتوقع الشروع في ذلك فورا"...) وكل ذلك لإعطاء صورة بتصاعد القتال...
8- هدنة 72 ساعة أعلنتها أمريكا ابتداء من ليلة الثلاثاء 25/4/2023: (قال بلينكن في بيان "عقب مفاوضات مكثفة على مدار الساعات الـ48 الماضية، وافقت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على تنفيذ وقف لإطلاق النار على مستوى البلاد بدءا من منتصف ليل 24 نيسان/أبريل، ويستمر لمدة 72 ساعة" وأضاف "خلال هذه المدة، تحث الولايات المتحدة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على الالتزام الفوري والكامل بوقف إطلاق النار"... الجزيرة مباشر 25/4/2023)
وبتدبر أحداث مرحلة الاتفاق الإطاري يتبين أن أمريكا تتحكم في الهدنة وتدير الأحداث وتفجر الصراع العسكري بين عميليها... فهذه الاشتباكات الحاصلة اليوم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تنقل الصراعات السياسية في السودان وبشكل حاد إلى ساحة جديدة، ساحة رسمتها أمريكا لتبعد عملاء الإنجليز والأوروبيين عن مركز الحكم الفاعل، ومن ثم تتحكم أمريكا بأطرافه، وهي لا يهمها عدد القتلى والجرحى ولا يهمها تدمير السودان وآلياته العسكرية، فهذا آخر ما تفكر به أمريكا، فالمهم عندها أن تستفرد في السودان فلا تنازعها فيه بريطانيا وأوروبا...
ثالثاً: أما هل الإنجليز وأوروبا يقفون خلف محاولة حميدتي الانقلاب على البرهان، فهذا مستبعد، وما يشير إلى ذلك الأمور التالية:
1- كان عملاء أمريكا في المنطقة على اتصال بطرفي الصراع، ولو علمت أمريكا بأن حميدتي قد انحاز لطرف الإنجليز والأوروبيين لدفعت عملاءها لدعم الجيش السوداني بوصفه مؤسسة عسكرية وطنية شرعية ولدعت قوات الدعم السريع لتسوية أمر شرعيتها مع الجيش، أي لنزعت عنها الشرعية. وقد كانت السعودية على اتصال مع الطرفين، واليوم نقلت قناة الجزيرة عن وزير الخارجية المصري بأنه كان على اتصال مع الطرفين في السودان (البرهان وحميدتي).
2- كان وزير الخارجية الأمريكي يتصل مع الطرفين ويدعوهما لهدنة، (قال قائد قوات الدعم السريع السودانية محمد حمدان دقلو في سلسلة تغريدات "ننتظر المزيد من المناقشات مع وزير الخارجية الأمريكي حول سبل معالجة هذه الانتهاكات". الجزيرة نت، 18/4/2023). و(تم التوصل للهدنة بعد اتصال وزير الخارجية الأمريكي، بقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ومطالبتهما بهدنة إنسانية. الجزيرة نت، 18/4/2023)
3- لو كانت قوات الدعم السريع تنفذ انقلاباً لصالح الأوروبيين لكانت قوى الحرية والتغيير إلى جانبها خاصةً وأنها تنادي صباح مساء بمغادرة العسكر وتنادي بالحكم المدني، أي أنها تناهض الجيش وقائده البرهان علناً وقبل اندلاع الاشتباكات الحالية، ولكن هذه القوى تدعو لوقف فوري لإطلاق النار، أي لم تظهر أي تحيز رغم جعجعات حميدتي بأن الديمقراطية هي ما دفعته لحرب البرهان، (دعت قوى الحرية والتغيير في السودان قيادتي الجيش وقوات الدعم السريع لوقف المواجهات العسكرية فوراً والعودة إلى طاولات التفاوض... صحيفة الشرق، 16/4/2023).
ومن هذا يتضح بأن القوى التابعة لأوروبا في السودان قد صدمتها هذه الاشتباكات وأنها لا تعلن مناصرتها طرفاً ضد طرف. ومن ثم تنتفي الشبهات عن انحياز حميدتي للإنجليز، بل هو باق كالبرهان عميلاً لأمريكا...
رابعاً: وأما الخلاصة فهي:
1- إن هذه الاشتباكات الحاصلة اليوم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع هي اشتباكات تديرها أمريكا في القتال والهدنة، وذلك لنقل الصراعات السياسية في السودان وبشكل حاد إلى ساحة جديدة، ساحة رسمتها أمريكا لتبعد عملاء الإنجليز والأوروبيين عن مركز الصراع، ومن ثم تتحكم أمريكا بأطرافه، وهي لا يهمها عدد القتلى والجرحى ولا يهمها تدمير السودان وآلياته العسكرية...
2- إن أمريكا تريد أن يستمر نفوذها في السودان دون أن تنازعها أوروبا في ذلك، وهي لها في ذلك سابقة، فقد استمر نفوذها نحو 30 سنة في عهد البشير... ولما أرادت الاستغناء عنه جاءت برجال أنشأهم هو كحميدتي وممن كانوا يعملون معه كالبرهان... فلما تحرك رجال بريطانيا في الحرية والتغيبير ضد رجال أمريكا استوعبتهم بالخديعة لغبائهم وذلك بالوثيقة الدستورية ثم الاتفاق الإطاري.
3- أما هل استطاعت بريطانيا النفاذ إلى أحد الرجلين "حميدتي" ومن أجل ذلك كان الصدام العسكري؟ فليس هناك مؤشرات، بل هي على الضد من ذلك، فالرجلان طوع بنان أمريكا كما نرجحه وبيناه آنفاً.
4- أما المتوقع من استمرار هذا الصدام ونتيجته، فكما ذكرنا فالغرض منه كان إقصاء عملاء بريطانيا (المكون المدني من الحرية والتغيير وغيره)، ومع أن هذا تم أو كاد، ولكن سابقة الانقلاب على الوثيقة الدستورية وانكشافه للناس يجعل أمريكا وأعوانها هذه المرة يطيلون أمد الصراع إلى حد ما، ولكن من باب الكر والفر وليس الحسم، وذلك لتحقيق أحد الأمور التالية:
أ- إذا رأت أن الأفضل لها عقد اتفاق جديد بين عميليها البرهان وحميدتي عقدته، ومن ثم تدفع الاتفاق الإطاري مع القوى التابعة للأوروبيين إلى الخلف، فتصبح تلك القوى هامشية أمام عملاء أمريكا الذين يرسمون واقعاً جديداً في السودان...
ب- وإذا تعذر دفع القوى الموالية لأوروبا للخلف فإن أمريكا لا تأبه بتقسيم السودان بعد أن سلخت عنه الجنوب، فتقوم بسلخ الغرب ودارفور وتولي عليها حميدتي، إذ إن سيطرته في تلك المناطق راجحة... خاصة وأنه يهيمن على منجم الذهب هناك.
ج- وإذا اصطفت تلك القوى التابعة للأوروبيين خلف أحد عملاء أمريكا (حميدتي مثلاً) اصطفافاً من باب المناورة... فإن أمريكا قد تطلب من هذا العميل أن ينزوي والتسليم بسيطرة العميل الآخر ليقود التصعيد العسكري في السودان لإحباط ذلك الاصطفاف...
خامساً: وهكذا يتبين أن العملاء كأسيادهم لا يهمهم أمر الناس وأمنهم، فلا يهمهم إلا أن يجلسوا على الكراسي والأسياد يديرونهم. فقاموا وروَّعوا أمن الناس في العشر الأواخر من رمضان، في الوقت الذي ينتظر فيه الناس العيد ليتبادلوا التهاني والزيارات... فقام القتلة المجرمون بسفك الدماء وبإحداث الدمار وحجز الناس في بيوتهم وتعطيل أعمالهم. وكل ذلك لإرضاء أعداء الله ورسوله والمؤمنين... فما على الناس إلا أن ترفض الطرفين عملاء أمريكا وعملاء بريطانيا، وتعمل على إسقاطهم ونصرة المخلصين الواعين من أبناء السودان، شباب حزب التحرير الذين يحملون مشروع دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فينقذون البلاد من العملاء كافة، وينهضون بها ويحفظونها من التجزئة والتقسيم، ومن ثم يرحمهم الله ويعزهم. ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.
الخامس من شوال 1444هـ
25/4/2023م