الأجوبة الفقهية

تخريج حديث "سيأتي أقوام يوم القيامة يكون إيمانهم عجباً..."

 

إلى Azzam Abu Fara

 

 

السؤال:

 

السلام عليكم ورحمه الله

تقبل الله طاعتكم وكل عام وأنتم بخير شيخنا،

كنت بحثت عن تخريج هذا الحديث فلم أجد له تخريجا بهذا اللفظ.. أرجو المساعدة

 

(سياتي أقوام يوم القيامة يكون إيمانهم عجبا، يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، فيقال: بشراكم اليوم وسلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين، فيغبطهم الملائكة والأنبياء على محبة الله لهم، فيقول الصحابة من هم يا رسول الله؟ قال: ليسوا منا ولا منكم، فأنتم أصحابي وهم أحبائي هؤلاء يأتون بعدكم فيجدون كتاباً عطله الناس وسنةً أماتوها، فيقبلون على الكتاب والسنة ويحيونها ويقرؤونها ويعلمونها للناس فيلاقون في سبيلها من العذاب أشد وأعنف مما لقيتم، إن إيمان أحدهم بأربعين منكم، وشهيد أحدهم بأربعين من شهدائكم، فأنتم تجدون على الحق أعوانا وهم لا يجدون على الحق أعوانا، فيحاطون بالظالمين من كل مكان، وهم في أكناف بيت المقدس وفي هذا الوقت يأتيهم نصر الله وسيكون عز المسلمين على أيديهم، وقال اللهم انصرهم واجعلهم رفقائي على الحوض).

وبارك الله فيكم.

 

الجواب:

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

1- بالنسبة للنص (الحديث) الذي تسأل عنه فإننا لم نقف عليه بهذا اللفظ في أي من كتب الحديث، ويبدو أن بعض ألفاظه مأخوذة من أحاديث متعددة ضُمَّ بعضها إلى بعض، فجَعلها من فعل ذلك وكأنها حديث واحد:

 

أ- مع أن الأحاديث المشار إليها هي أحاديث في أبواب متعددة، وليست روايات متعددة لحديث واحد...

ب- كما أن بعض الأحاديث فيها ألفاظ قريبة مما ذكر في النص المسئول عنه وليست الألفاظ ذاتها...

ج- وفي النص المسئول عنه أيضاً بعض المعاني الواردة في بعض الأحاديث مع أن الألفاظ مختلفة...

د- ثم إن الأحاديث التي أخذت منها بعض الصيغ والألفاظ في النص المسئول عنه منها أحاديث مقبولة يحتج بها، ومنها أحاديث غير صحيحة ولا يحتج بها...

 

2- وأذكر لك بعضاً من تلك الأحاديث المقبولة التي يحتج بها:

 

- روى أحمد في مسنده عن أبي مالك الأشعري أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ أَقْبَلَ إِلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسْمَعُوا وَاعْقِلُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِبَاداً لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ عَلَى مَجَالِسِهِمْ وَقُرْبِهِمْ مِنْ اللَّهِ» فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَعْرَابِ مِنْ قَاصِيَةِ النَّاسِ وَأَلْوَى بِيَدِهِ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ عَلَى مَجَالِسِهِمْ وَقُرْبِهِمْ مِنَ اللَّهِ انْعَتْهُمْ لَنَا يَعْنِي صِفْهُمْ لَنَا، فَسُرَّ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِسُؤَالِ الْأَعْرَابِيِّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «هُمْ نَاسٌ مِنْ أَفْنَاءِ النَّاسِ وَنَوَازِعِ الْقَبَائِلِ لَمْ تَصِلْ بَيْنَهُمْ أَرْحَامٌ مُتَقَارِبَةٌ تَحَابُّوا فِي اللَّهِ وَتَصَافَوْا يَضَعُ اللَّهُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ فَيُجْلِسُهُمْ عَلَيْهَا فَيَجْعَلُ وُجُوهَهُمْ نُوراً وَثِيَابَهُمْ نُوراً يَفْزَعُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَفْزَعُونَ وَهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ».

 

- روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا» قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ» فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرّاً مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ فَيُقَالُ إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقاً سُحْقاً».

 

- روى مسلم في صحيحه عن عقبة قال: سمعت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «لَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ قَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ».

 

- روى أحمد في مسنده عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَجَمَ يَهُودِيّاً وَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا سُنَّةً قَدْ أَمَاتُوهَا».

 

- روى أحمد في مسنده عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ».

 

- روى الترمذي في سننه عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الْآيَةِ؟ قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ؟ قُلْتُ: قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيراً، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: «بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحّاً مُطَاعاً وَهَوًى مُتَّبَعاً وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعِ الْعَوَامَّ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّاماً الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: وَزَادَنِي غَيْرُ عُتْبَةَ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ؟ قَالَ: «بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ»، قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

 

3- الأحاديث المذكورة في الأعلى هي أحاديث مقبولة يحتج بها. ولكن وردت أيضاً أحاديث فيها مقال وقد حوت ألفاظاً وصيغاً يشبه بعضها بعض ما جاء في النص المسئول عنه، وأذكر شيئاً منها لبيان أن النص المسئول عنه قد رُكّب من أحاديث متعددة صحيحة وغير صحيحة:

 

- جاء في الإبانة الكبرى لابن بطة قال ﷺ: «رحمة الله على خلفائي»، قالوا: من خلفاؤك؟ قال: «الذين يحيون سنتي، ويعلمونها عباد الله»، وجاء في مسند الشهاب القضاعي عن كثير بن عبد الله المزني، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الدين بدأ غريبا، وسيعود كما بدأ غريبا، فطوبى للغرباء»، فقيل: يا رسول الله من الغرباء؟ قال: «الذين يحيون سنتي ويعلمونها عباد الله»، وجاء في جامع الأحاديث: [... اللهم ارحم خلفائي الذين يأتون من بعدي يروون أحاديثي وسنتي ويعلمونها الناس (الطبراني في الأوسط، والرامهرمزي في المحدث الفاصل، والخطيب في شرف أصحاب الحديث، وابن النجار عن ابن عباس عن علي قال الطبراني: تفرد به أحمد بن عيسى أبو طاهر العلوي. قال في الميزان: قال الدارقطني: كذاب، والحديث باطل. وفي اللسان ذكره ابن أبي حاتم فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً)، أخرجه الطبراني في الأوسط (6/77، رقم 5846). قال الهيثمي (1/126): فيه أحمد بن عيسى الهاشمي قال الدارقطني: كذاب. والرامهرمزي في المحدث الفاصل (1/163). وأخرجه أيضاً: الديلمي (1/479، رقم 1960). قال الذهبي في الميزان (1/270، ترجمة 508) ووافقه الحافظ في اللسان (1/241، ترجمة 756) كلاهما في ترجمة أحمد بن عيسى الهاشمي. قال الدارقطني: كذاب.].

 

- جاء في كنز العمال عن أنس قال: قال: رسول الله ﷺ: «متى ألقى أصحابي؟ متى ألقى أحبابي؟»، فقال بعض الصحابة: أوليس نحن أحباؤك؟ قال: «أنتم أصحابي، ولكن أحبابي قوم لم يروني وآمنوا بي أنا إليهم بالأشواق» (أبو الشيخ في الثواب). وجاء في الفردوس بمأثور الخطاب للديلمي عن أنس بن مَالك: «مَتى ألْقى أَصْحَابِي مَتى ألْقى أحبابي» فَقَالَ بعض الصَّحَابَة: أوليس نَحن أحبابك قَالَ: «أَنْتُم أَصْحَابِي غير أَن أحبابي قوم لم يروني وآمنوا بِي أَنا إِلَيْهِم بالأشواق». وذكره القشيري في الرسالة بالسند: أخبرنا عليّ بن أحمد الإهوازي، رحمه الله، قال: أخبرنا أحمد بن عبيد البصري، قال: حدثنا يحيى بن محمد الجياني قال: حدثنا عثمان بن عبد الله القرشي، عن نعيم بن سالم، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: «متى ألقى أحبابي؟» فقال أصحابه: بأبينا أنت وأمنا أولسنا أحبابك؟ فقال: «أنتم أصحابي، أحبابي: قوم لم يروني، وآمنوا بي، وأنا إليهم بالأشواق أكثر». وهذا الحديث فيه رواة مطعون فيهم، وقال بعض الباحثين إنه حديث منكر مكذوب... أي أن هذا الحديث ليس من الأحاديث المقبولة التي يحتج بها.

 

4- وهكذا يتضح أن النص المسئول عنه ليس حديثاً للنبي ﷺ، بل هو نص مركب، صاغه على ما يبدو شخص مجهول وجمع فيه ألفاظاً وصيغاً جاءت في أحاديث مختلفة منها ما هو مقبول يحتج به ومنها ما هو غير مقبول ولا يحتج به، ولذلك لا يصح أن يروى هذا النص المسئول عنه بوصفه حديثاً عن رسول الله ﷺ.

 

والله أعلم وأحكم.

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

20 ربيع الأول 1444هـ

الموافق 2022/10/16م

آخر الإضافات