سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير
على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي"
جواب سؤال
إجارة حلي الذهب
إلى الشيخ حسام ابو محمود
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، جزاك الله خيرا وفتح الله عليك
إذا تكرمت أريد أن أسأل سؤالاً: ما هو حكم استئجار الذهب حيث إن هناك من يستأجر الذهب ليوم أو أكثر وقد درجت هذه العادة في بعض البلاد وجزاك الله خيرا
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
الإجارة هي عقد على المنفعة بعوض، ويدخل في الإجارة ما يرد العقد فيه على منافع الأعيان، كاستئجار الدور والدواب والمركبات وما شابه ذلك. وقد بينا ذلك في كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثاني باب "الإجارة" حيث جاء فيه:
(الإجارة عقد على المنفعة بعوض، ويدخل تحتها ثلاثة أنواع:
النوع الأول - هو ما يرد العقد فيه على منافع الأعيان، كاستئجار الدور والدواب والمركبات وما شابه ذلك.
النوع الثاني - هو ما يرد العقد فيه على منفعة العمل، كاستئجار أرباب الحرف والصنائع لأعمال معينة، فالمعقود عليه هو المنفعة التي تحصل من العمل، مثل استئجار الصباغ والحداد والنجار وما شابه ذلك.
النوع الثالث - هو ما يرد العقد فيه على منفعة الشخص، كاستئجار الخدمَة والعمال وما شابه ذلك.
والإجارة بجميع أنواعها جائزة شرعاً قال الله تعالى: ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ وروى البيهقي من طريق أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «من استأجر أجيراً فليعلمه أجره» وروى البخاري: «أن النبي ﷺ والصِدَّيق استأجرا رجلاً من بني الدِّيل هادياً خرِّيتاً») انتهى.
فكما ترى فإن كل ما كانت منفعته مباحة يجوز استئجاره بأجرة معلومة ومدة معلومة، فيجوز أن تستأجر سيارة بمبلغ معين لمدة معينة وباستعمال معين... لكن استئجار الذهب والفضة بمبلغ معين لمدة معينة لتتزين المرأة به فهذا في نفسي منه شيء، فالذهب والفضة هما أساس النقد في الإسلام فكيف يُستأجر نقد بنقد؟! أي كيف يُستأجر النقد بجنسه؟ على كل، فإن هذه المسألة تحتاج دراسة أعمق ولعله يكون مستقبلاً إن شاء الله...
ولكني أذكر لك بعض الآراء الفقهية لتقلد منها الرأي الذي تطمئن به:
1- المغني لابن قدامة (5/ 403)
(4305) فَصْلٌ: فِيمَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ، تَجُوزُ إجَارَةُ كُلِّ عَيْنٍ يُمْكِنُ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهَا مَنْفَعَةً مُبَاحَةً، مَعَ بَقَائِهَا بِحُكْمِ الْأَصْلِ، كَالْأَرْضِ، وَالدَّارِ.... وَتَجُوزُ إجَارَةُ الْحُلِيِّ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ. وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْي. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ فِي إجَارَةِ الْحُلِيِّ: مَا أَدْرِي مَا هُوَ؟ قَالَ الْقَاضِي: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى إجَارَتِهِ بِأُجْرَةٍ مِنْ جِنْسِهِ، فَأَمَّا بِغَيْرِ جِنْسِهِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ، لِتَصْرِيحِ أَحْمَدَ بِجَوَازِهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ، فِي إجَارَةِ الْحُلِيِّ وَالثِّيَابِ: هُوَ مِنْ الْمُشْتَبِهَاتِ. وَلَعَلَّهُ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ الزِّينَةُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِدِ الْأَصْلِيَّةِ...............].
2- وقال الإمام النووي [ذكر الصيمري ثم الماوردي ومتابعوهما هنا أن الأفضل إذا أكرى حلي ذهب أو فضة أن لا يكريه بجنسه بل يكري الذهب بالفضة والفضة بالذهب فلو أكرى الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة فوجهان: (أحدهما) بطلانه حذراً من الربا، والصحيح الجواز كسائر الإجارات، قال الماوردي: وقول الأول باطل؛ لأن عقد الإجارة لا يدخله الربا، ولهذا يجوز إجارة حلي الذهب بدراهم مؤجلة بإجماع المسلمين، ولو كان للربا هنا مدخل لم يجز هذا.] المجموع 6/ 46.
3- الموسوعة الفقهية الكويتية (12/ 283، بترقيم الشاملة آليا)
[الاستئجار للتّزيّن:
25- الأصل إباحة إجارة كلّ عين يمكن أن ينتفع بها منفعةً مباحةً مع بقائها، ولهذا صرّح الشّافعيّة والحنابلة بجواز الثّياب والحليّ للتّزيّن، فإنّ النّفقة بهما مباحة مقصودة مع بقاء عينها، والزّينة من المقاصد المشروعة، قال اللّه تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الّتي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ﴾. وجواز إجارة حليّ الذّهب والفضّة بغير جنسه محلّ اتّفاق بينهم...
وتردّد أحمد فيما إذا كانت الأجرة من جنسها، وروي عنه جوازه مطلقاً...
أمّا الحنفيّة فقد صرّحوا بفساد إجارة مثل الثّياب والأواني للتّزيّن حيث قالوا: لو استأجر ثياباً أو أواني ليتجمّل بها أو دابّةً ليجنيها بين يديه أو داراً لا ليسكنها... فالإجارة فاسدة في الكلّ ولا أجر له، لأنّها منفعة غير مقصودة من العين. ويجوز إجارة الألبسة للّبس، والأسلحة للجهاد، والخيام للسّكن وأمثالها إلى مدّة معيّنة مقابل بدل معلوم، والحليّ كاللّباس عندهم...
وكره المالكيّة إجارة الحليّ، لأنّه ليس من شأن النّاس، وقالوا: الأولى إعارته لأنّها من المعروف.....
- الموسوعة الفقهية الكويتية (22/ 294، بترقيم الشاملة آليا)
استئجار ما احتيج إليه من الذّهب:
30 - صرّح الحنابلة بأنّه يصحّ استئجار دنانير الذّهب مدّةً معلومةً للتّحلّي والوزن، وكذلك كلّ ما احتيج إليه كأنفٍ من ذهبٍ، لأنّه نفع مباح يستوفى مع بقاء العين، وكلّ ما كان كذلك جاز استئجاره بلا خلافٍ.
ومنع الشّافعيّة استئجار الدّنانير للتّزيين، ونصّوا على جواز استئجار الحليّ.]انتهى
4- جاء في (جواهر العقود) لمؤلفه شمس الدين محمد الأسيوطي ثم القاهري الشافعي المتوفي 880 هـ باب (1/216):
(واختلفوا في إجارة الحلي - الذهب بالذهب، أو الفضة بالفضة - هل يكره؟ فقال أبو حنيفة والشافعي ومالك: لا يكره.
وكرهه أحمد.)
5- الفقه على المذاهب الأربعة (3/ 60)
(أما القسم الثالث: وهو المكروه فأمور منها: إجارة الحلي فإنها مكروهة سواء كان ذهبا أو فضة...
ومن ذلك تعلم أن الذي تكره إجارته هو الحلي المباح الاستعمال أما المحرم فتمنع إجارته فإذا استأجر رجل حليا فإن الإجارة لا تصح وبعضهم يرى كراهة إجارته سواء كان استعماله حلالا أو ممنوعا) انتهى
وللعلم فقد روى النسائي في سننه عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ «أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِإِنَاثِ أُمَّتِي وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا».
وعليه فقلد من تطمئن برأيه والله معك.
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
13 صفر الخير 1445هـ
الموافق 2023/8/29م