بداية شهر رمضان ونهايته تكون برؤية الهلال ولا يصحّ اعتماد الحسابات الفلكية بديلا عنها
في يوم الثلاثاء الموافق 14 آذار/مارس 2023م - 22 شعبان 1444هـ، أصدر ممثّلو بعض المساجد والجمعيات الإسلامية في الدنمارك بيانا أعلنوا فيه أنّهم سيعتمدون الحسابات الفلكية بديلا عن الرؤية الشرعية لتحديد بدايات الشهور القمرية ونهاياتها، ومنها بداية شهر رمضان القادم ونهايته. وقد أقرّوا ذلك على الرغم من أنّ البيان قد ذكر بأنّ الأساس في تحديد بدايات الشهور ونهاياتها شرعا هو الرؤية، ولكنّهم اختاروا الحسابات الفلكية بديلا عن الرؤية الشرعية. وهذا يعني أنّهم استبعدوا الطريقة التي عيّنها الشرع ونصّت عليها الأدلّة الشرعية لتحديد بدايات الشهور ونهاياتها ووُضعت جانبا، واعتمدوا الحسابات الفلكية بديلا عنها.
لقد حدّد البيان المذكور اليوم الأوّل من شهر رمضان القادم وكذلك حدّد يوم العيد، وهذا يُظهر بشكل واضح أنّ هذا التحديد قد تمّ دون انتظار الرؤية الشرعية للهلال، ودون الأخذ بعين الاعتبار: هل ستحصل رؤية الهلال في التاريخ المشار إليه أو لا؟ إضافة إلى ذلك فقد ذكر البيان أنّ الرؤية الشرعية للهلال هذا العام تتوافق مع الحسابات الفلكية وهذا أمر من المستحيل تأكيده في اليوم الذي صدر فيه البيان، إضافة إلى أنّه من المؤكّد أنّ تحرّي هلال شهر رمضان لا يكون إلّا بعد غروب شمس يوم 29 شعبان. ولم يورد البيان أيّ دليل شرعي على ما ذهب إليه، وإنّما احتجّ بدقّة الحسابات الفلكية وموافقة العلماء المعاصرين على هذه الطريقة.
على ضوء ما سبق يودّ حزب التحرير في الدنمارك الإشارة إلى ما يلي:
أوّلا: إنّ إثبات دخول شهر رمضان لا يصحّ إلّا برؤية الهلال، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي حدّدها الشرع ودلّت عليه الأدلّة الشرعية المتعلّقة بهذه المسألة. ومن هذه الأدلّة حديث رسول الله ﷺ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ، فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ» رواه البخاري.
ثانيا: على الرغم من أنّ الحسابات الفلكية يمكن أن تكون دقيقة، ولكنّها ليست قطعية في شأن تحديد وقت إمكانية الرؤية، والمسألة لا تتعلّق بتأكيد ظاهرة فلكية من ناحية علمية. فإعلان بداية شهر رمضان أو نهايته وفق الحكم الشرعي لا تشترط اليقين بولادته، وليس هناك أيّ دليل شرعي يشترط ذلك، وما ورد في كتاب الله وسنّة رسوله ﷺ بهذا الشأن هو أنّ الرؤية الشرعية هي الشرط الوحيد في هذه المسألة، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي يجب اتّباعها لإثبات بداية الشهر أو نهايته.
ثالثا: يمكن أن تساعد الحسابات الفلكية في معرفة وقت ولادة الهلال، ولكن لا يمكنها أن تثبت فرص رؤية الهلال. فمن ناحية هنالك خلاف بين الفلكيين بالنسبة لتحديد الوقت الذي يمكن فيه رصد الهلال، ومن ناحية أخرى تؤدّي الأحوال الجوّية والقدرة البشرية دورا في إمكانية رؤية الهلال أو عدمها، إضافة إلى أنّنا لا نصوم ونفطر عندما يولد الهلال وإنّما عندما تحصل رؤيته، وهذا ما بيّنه حديث رسول الله ﷺ الآنف ذكره «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ». فمن الممكن أن يكون هلال الشهر موجودا فعلا ولكنّه محجوب بالغيوم، فلا تحصل رؤيته بالعين، وفي هذه الحالة يجب علينا إتمام عدة شعبان ثلاثين يوما. فالأدلّة الشرعية قد ربطت بداية شهر الصيام برؤية الهلال بالعين ولم تشترط حصول العلم بولادة الهلال.
أيّها المسلمون:
إنّنا في حزب التحرير في الدنمارك، ومن منطلق محبّتنا لديننا الحنيف وتمسّكنا بشريعتنا السمحاء، نودّ أن نلفت نظر إخوتنا إلى أنّ اعتماد الحسابات الفلكية لإثبات دخول شهر رمضان أو نهايته يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية في هذه المسألة، والتي تنصّ على أن الشهر يبدأ بالرؤية الشرعية للهلال وكذلك نهايته، وليست الحسابات الفلكية. ولذلك فإنّنا ندعو المسلمين أفراداً ومؤسّسات ومساجد، إلى اعتماد الطريقة الشرعية لإثبات بدايات الأشهر القمرية، بما في ذلك شهر رمضان المبارك.
والمسلمون في جميع أنحاء العالم ينتظرون شهر رمضان المبارك والذي يثبت دخوله بالرؤية الشرعية للهلال في أيّ مكان من العالم. أمّا تحرّي الهلال فيكون بعد غروب شمس يوم 29 شعبان، فإذا ثبتت الرؤية الشرعية في أيّ مكان من العالم وجب الصوم على المسلمين جميعا.
نسأل الله تعالى أن يبلّغنا رمضان وقد فرّج عن المسلمين ما هم فيه من كرب، وأن يمنّ عليهم بالنصر القريب وأن يجعل رمضان هذا هو آخر رمضان يحلّ على المسلمين دون دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
وفي الختام، نودّ أن نذكّر إخواننا المسلمين بأنّ هذا الارتباك الذي يقع فيه المسلمون لإثبات دخول شهر رمضان ونهايته، سببه عدم وجود دولة إسلامية تحكم بكتاب الله وسنّة رسوله ﷺ وتقوم على رعاية شؤون المسلمين وفق أحكام الشرع فتجمع صفّهم وتوحّد كلمتهم في أنحاء المعمورة.
﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾